خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
لا يزال النقاش حول عقد صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس عالقاً عند نقطة عدم موافقة نتنياهو على وقف الحرب بشكل دائم؛ وبالمقابل عند نقطة عدم موافقة السنوار على أية صفقة لا تضمن “وقف نار دائم” ولا تشتمل على انسحاب إسرائيل من غزة.
بحسب المعلومات أمكن لحد ما تجاوز الشرط الثاني للسنوار؛ حيث وافقت تل أبيب على الانسحاب إلى خارج خط نتساريم وسط غزة لنحو ٥٠٠م إلى ألف م. ولكن نتنياهو يصر على صفقة تتضمن هدنة غير مشروطة بتعهد من قبله بعدم خرقها بعد انتهاء مدتها المحددة بأربعين يوماً.
ومن وجهة نظره فإنه طالما ظلت الحرب مستمرة، فإن ذلك يشكل الضمانة الوحيدة لنتنياهو بأنه أولاً لن تتعرض حكومته للسقوط كون سيموريتش وبن غفير هددا بالخروج منها في حال وافق على وقف الحرب؛ ويعني ثانياً أنه لن يكون هناك دعوة لانتخابات مبكرة؛ ويعني ثالثاً أنه لن يكون هناك “حالياً” مساءلة عن التقصير في أحداث ٧ أكتوبر.
وكل هذه الإعتبارات التي تشكل مجتمعة السبب الذي يجعل نتنياهو يرفص وقف الحرب على غزة، هي التي تجعله يستمر بالمناورة على حافة هاوية رفض الصفقة التي تريد إدارة بايدن تمريرها “الآن” لأسباب على صلة بالسباق الانتخابي الرئاسي الأميركي..
أحد الكتاب السياسيين الإسرائيليين حدد بدقة بالغة الهدف الذي جعل نتنياهو يرفع شعار الهجوم على رفح. بداية ينفي الكاتب فكرة أن نتنياهو يريد الدخول إلى رفح كونه يوجد فيها آخر ٤ كتائب لحماس.. يؤكد الكاتب أن كتائب حماس لا تزال موجودة في الشمال وتحت الأنفاق في كل غزة، بدليل العمليات التي نفذتها كتائب عز الدين القسام مؤخراً في شمال غزة؛ أضف أن محافظات الجنوب لا تزال تقاتل.. وعليه فإن نظرية نتنياهو بأن حرب رفح ستؤدي إلى هزيمة حماس في غزة، هي نظرية هدفها شراء مزيد من الوقت السياسي لحكومة نتنياهو، ولا علاقة عسكرية لها بحسم الحرب ضد حماس.
وبنظر الكاتب فإن الهدف الحقيقي الذي دفع نتنياهو لصياغة نظرية الهجوم على رفح منذ نحو ثلاثة أشهر، هو التالي: “نتنياهو يريد أن يرسم طريقاً بديلاً يجنبه الموافقة على صفقة لتبادل الأسرى تؤدي لوقف نار مستدام”.
.. وعلى نحو برغماتي قام نتنياهو بتركيب “جملة سياسية وعسكرية” لا يوجد بين مفرداتها أي تناسق: فهو من جهة يقول أنه من دون دخول رفح لن يتم حسم الحرب ضد حماس، وهو من جهة ثانية يقول أن حرب رفح ستؤدي لتوجيه ضغط عسكري على حماس يجبرها على إطلاق الأسرى الإسرائيليين بأقل شروط؛ وهو يقول من جهة ثالثة أن حرب رفح ستمكن إسرائيل من إلقاء القبض على السنوار ومحمد ضيف، الخ..
كل واحد من هذه الأهداف الثلاثة التي يضعها نتنياهو ضمن “جملته السياسية” عن أسباب دخوله لرفح، يمثل هدفاً يناقض الآخر؛ إذ أنه لا يستقيم الحديث عن التوجه لتحقيق هدف الضغط على حماس، بالتزامن مع التوجه لجني هدف القضاء على حماس وأيضاً مع هدف السعي لإلقاء القبض على السنوار وضيف!!
داخل الجيش الإسرائيلي يوجد عدم قناعة “بالجملة السياسية” التي صاغها نتنياهو لتبرير اعتزامه دخول رفح؛ وذلك رغم أن هرتسي هليفي رئيس الأركان وافق على خطة العمليات في رفح انطلاقاً من الالتزام بما يقرره المستوى السياسي.. فالمستوى العسكري لديه قناعة بأنه لا يجب على نتنياهو أن يرسل الجيش إلى رفح من دون أن يضع تصوراً سياسياً عما سيكون عليه اليوم التالي في رفح.. باختصار يجب على نتنياهو أن لا يكرر في رفح نفس ما فعله في محافظات غزة الأخرى؛ فهناك حقق الجيش “إنجازات عسكرية” لكنه فشل في تحقيق هدف استراتيجي واحد؛ والسبب – بحسب ما يقوله الجيش – هو أن نتنياهو لم يضع دليلاً سياسياً للجيش حتى يصل إليه.
.. وفي غير دراسة إسرائيلية متخصصة؛ يرد مصطلحاً لافتاً مفاده: الجيش يفتقد لتصور واضح عن “الغلاف السياسي لغزة”(!!).
هذا المصطلح يريد الإشارة إلى أن الجيش لا يمكنه خوض الحرب لحماية غلاف غزة الاستيطاني من دون أن يكون لديه تصور عن طبيعة “غلاف غزة السياسي” الذي تريد إسرائيل من جيشها أن يجسده على الأرض.
ومن وجهة نظر الجيش فإن المشكلة هنا، تكمن في أن نتنياهو رفض إدارة نقاش عن “اليوم التالي السياسي في غزة” داخل الكابينيت السياسي والعسكري المصغر؛ وهذا يعني أن نتنياهو يقول للجيش: أطلق النار!!، ولكنه لا يقول له متى ستتوقف عن إطلاق النار.
وتعقيباً على هذا النوع من المهمات التي يكلف بها نتنياهو الجيش الإسرائيلي؛ يسترجع المستوى العسكري في هذه الفترة المقولة الشهيرة: “ليس هناك في العالم جيش لا نهائي”؛ وتتم استعارة هذه المقولة للتأكيد على أنه يتوجب على نتنياهو أن يقدم إيضاحاً واضحاً للجيش عن الهدف السياسي للحرب في غزة حتى يستطيع الجيش أن يحدد نقطة بداية ونقطة نهاية لمهمته في هذه الحرب..
…أكثر من ذلك، يعتبر الجيش أن مصطلح “النصر المطلق” أو “القضاء على حماس”؛ هو مصطلح ثأري ودعائي، وبأحسن الأحوال هو شعار سياسي، وليس هدفاً استراتيجياً. فالجيس يدرك أنه لا يمكن في ظروف حرب غير متناظرة تكليف أي جيش في العالم بالقضاء على خصم يتبع منهجية “حرب الشعب” و”تكتيكات حرب الأنصار”، ويستخدم أساليب الإنفاق والكمائن في حربه.
هناك استنتاجات تاريخية يجدر بنتنياهو أن يدركها حينما يرفع شعارات من نوع “النصر المطلق”، وهي أن حماس تستطيع التكيف مع خطط الهجمات الإسرائيلية، وذلك لأن بنيتها العسكرية ومشروعها الاستراتيجي كمقاومة، يمنحها ميزة الانتقال من أسلوب لآخر بمواجهة الحرب الإسرائيلية على غزة؛ فهي مثلاً، ووفقاً لظروف الميدان، تستطيع التحول من “مقاومة عسكرية” لديها هيكلية كتائب؛ إلى مقاومة شعبية تعتمد على مجموعة صغيرة تسبح وسط شعب مؤيد للمقاومة؛ وبأسوأ الحالات بالنسبة لها، تستطيع حماس العودة لأساليب المقاومة البدائية.
.. وكل الفكرة هنا تنطلق من مفهوم تاريخي وعلمي وليس من شعار عاطفي أو انطباعي؛ وهو أن المقاومة هي “فكرة مسلحة خالدة”، بمعنى أنها لا نهائية وتستمر طالما استمر الاحتلال؛ بينما كل الجيوش – بما في ذلك جيش روما – تنطبق عليه مقولة: “ليس هناك جيش لا نهائي”!!.