خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
كان تشرشل يقول أن الكرملين مغطى بالغموض وملفوف بالأسرار. يمكن أن تتم استعارة هذه المقولة وتطبيقها على علاقة الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل مع كل من حزب الله وحركة أمل.
بين باسيل وعين التينة تاريخ من عدم الثقة والتنابذ حول كل شيء. والمشكلة لا تقع في أن باسيل وبري يختلفان على الأهداف بل على نظرة كل منهما لنفسه وللآخر. فالسياسة في لبنان غالباً ما تكون أشخاص وأمزجة وليس فقط أدوار وأحجام.
أما بين السيد نصر الله والجنرال ميشال عون؛ فهناك قصة شخصية تم تظهيرها في مرحلة معينة على أنها قصة استثنائية. والحق يقال أنه جرى تحميل هذه العلاقة فوق ما تحتمل من التوصيفات التي تمجد قيم الوفاء في السياسة. صحيح أن الرجلين تبادلا المواقف الصادقة في ظروف صعبة؛ ولكن الصحيح أيضاً أن كليهما تقاضيا أثماناً مصلحية من بعضهما البعض. ولعل النقطة التي تحتاج هنا للإضاءة عليها هي الملامح النفسية لشخصية ميشال عون؛ فهو ضابط محاصر وسياسي منفي وإنسان لديه تجربته القاسية المتمثلة بالتداعيات التي طالت عائلته نتيجة طريقته العنيفة في ممارسته للسياسة؛ بمقابل أن السيد حسن نصر الله هو قائد مقاومة يعيش حياة درجة الحذر القصوى في أيام الحرب كما في أيام السلم. الرجلان كانا يحتاجان نفسياً لحلف مقدس بينهما، بحيث يسند كل منهما ظهره للآخر وسط حقل ألغام متفجر داخلي وإقليمي.
اليوم بعد ست سنوات من الرئاسة تبدد شعور عون بالمنفى والحصار؛ وصار يشعر – ولو بغصة – أنه مسكون بمعنويات فخامة الرئيس السابق؛ ولذلك فهو يحتاج هذه الأيام لحلف مصالح سياسية مع حزب الله والثنائي الشيعي، وليس لحلف وفاء مقدس معهما. ربما رئيس حزب القوات سمير جعجع هو الأقدر على شرح كيف يفكر الجنرال عون وصهره في هذه اللحظة. يقول جعجع أن التيار الوطني الحر هو حزب رئاسي؛ بمعنى أن الثنائي عون وباسيل يتحالفان مع حظوظ نيل لقب فخامة الرئيس؛ وحينما لا تقدم أية جهة لهما خدمة الوصول إلى قصر بعبدا فإنهما يديران ظهريهما لها، حتى لو كانت هذه الجهة نصر الله أو حزب الله وحركة أمل، الخ..
لقد وصلت لحزب الله مؤخراً معلومة أكيدة بأن الجنرال ميشال عون هو المتشدد ضد حزب الله وليس جبران باسيل. وهذه المعلومة هي التي دفعت نصر الله لإرسال وفد عالي المستوى من الحزب للوقوف على خاطر الجنرال البرتقالي. لقد نقل الوفد لميشال عون تحيات السيد حسن؛ ثم وضع الوفد نفسه بتصرف فخامة الرئيس ليجيب عن أية أسئلة لديه. قال عون أنه عاتب على “السيد” لأنه يحق له كونه حليف استراتيجي لحزب الله أن يضعه الأخير بأجواء قراره بخوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل. وقال عون: أقله كان يجب أخذ رأيي انطلاقاً من كوني جنرال لدي خبرتي العسكرية. ثم شرح الوفد لعون دواعي أخذ الحزب قرار المواجهة لإسناد جبهة غزة، وطمأن عون بخصوص إمكانيات الحزب العسكرية.. المهم أن عون بدا أنه اقتنع بالعرض الذي قدمه له الوفد، ولكن لاحقاً سرب عبر مصادره أنه لا يزال عند موقفه المعارض لفتح الحزب مواجهة عسكرية مع إسرائيل من جنوب لبنان.
وفي هذه الجزئية يجدر التنبه لأمر هام، وهو أن تحفظ الجنرال عون على مشاركة الحزب العسكرية لإسناد غزة؛ لا يتم النظر إليه من قبل حارة حريك وفي ميرنا الشالوحي على أنه اختلاف في وجهات النظر بين الطرفين، بل بوصفه افتراقاً استراتيجياً بينهما.. طالما جرى توصيف العلاقة بين الحزب والعونيين على أنها مبنى مؤلف من طابقين: الأسفل وهو الأساس، ويوجد فيه التوافق الاستراتيجي خاصة بين نصر الله وميشال عون بخصوص الموقف من المقاومة والصراع مع إسرائيل؛ والطابق الأعلى وهو خال من الأثاث تقريباً وتسوده المناكفات. ما يحدث اليوم هو أن الخلاف يدور في الطابق الأول أي داخل أساس العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين.
يقوم اليوم باسيل بمحاولة هدفها التصالح مع ما يظنه أنه كان السبب في تخريب عهد عمه؛ وفي تخريب علاقة التيار البرتقالي بحزب الله؛ أي مع الرئيس نبيه بري. الفكرة بالشكل تبدو ذكية ولكن بالمضمون تعوزها البصيرة. فبري لا يؤمن بالثنائيات الطائفية أو المذهبية؛ وهو يبحث عن توازنات عامة وعابرة للتموضعات الطائفية الصرفة. ولكن أبعد من ذلك؛ فإن بري يسير مع جبران إلى حيث يريد أن يصل بري وليس إلى حيث يريد أن يصل جبران معه. سيكتشف باسيل في نهاية علاقته مع بري أن الأخير كان يسير وحيداً نحو هدفه. وحالياً يرغب بري برؤية باسيل يسير إلى جانبه في مشروع حوار يقود لإجراء انتخابات. وحينما تصل الأمور إلى الحسم في قاعة الانتخاب، فعندها لا يهم أبو مصطفى كيف سيتصرف باسيل؛ بل المهم من منظاره تأمين نصاب انتخابي لانتخاب فخامة رئيس ليس من بيئة مرشحي المعارضات الجديدة.
ومن كل ما تقدم يمكن استخلاص نتيجة أساسية وهي أنه بين التيار البرتقالي وحزب الله لم يعد هناك إلا قاسم مشترك واحد وهو تبادل التكتيكات بينهما. لقد انهار المشروع أو ما بدا في مرحلة معينة أنه مشروع بينهما؛ علماً أنه لا العونيين ولا قواعد حزب الله شعروا أنهم في مهمة وطنية واحدة؛ بل دائماً كان لديهم شعور أنهم في إجازة سياسية من الخلافات والتناقضات التي توجه مشروعين مختلفين..