خاص الهديل/
بقلم: ناصر شرارة
دخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المرحلة الأصعب من بين كل محطات رحلته السياسية الممتدة منذ نحو عقد ونصف؛ ومشكلة نتنياهو الراهنة تقع في أن التحديات التي اعتاد أن يواجهها بشكل متفرق تجمعت جميعها الآن لتطرح نفسها عليه دفعة واحدة وفي توقيت واحد وضمن مهلة زمنية ضيقة تشبه عمليات توجيه الإنذار: فمن ناحية بدأ معسكر اليمين المتطرف يكتشف أو يتأكد من أن نتنياهو ليس أيديولوجياً عقائدياً بل هو مجرد براغماتي يركب موجة اليمين؛ وهو لن يجد حرجاً في أن يتأمر على بن غفير وسموتريتش وباقي الجوقة اليمينية فيما لو قدم له كل من أيزنكوت وغانتس ضمانات مقنعة بأنهما سيحميان حكومته فيما لو ذهب معهما ومع بايدن بصفقة تبادل الأسرى.. ومن جهة ثانية بدأ المركز (الوسط واليسار) يلحظ أن نتنياهو الذي طالما حاصرهم سياسيا أصبح الآن يمكن حصاره سياسياً.. سابقاً جرت محاولات لتجميع قوى مختلفة داخل إسرائيل تحت شعار الأولوية لإخراج نتنياهو من السلطة؛ وكانت آخر محاولة على هذا الصعيد جرت خلال الانتخابات العامة ما قبل الماضية؛ وشارك فيها بايدن شخصياً إلى جانب لابيد وغانتس؛ غير أن هذه المحاولة نجحت بإبعاد نتنياهو عن الحكم لعدة أشهر فقط..
.. أما اليوم فإن الخناق يشتد على نتنياهو، ما يجعل معسكر بايدن داخل إسرائيل المؤلف من الديموقراطي الأميركي والوسط واليسار الإسرائيلي؛ يحاول تغيير إستراتيجيته مع نتنياهو؛ فبدل أن يرموا له حبل المشنقة فهم يرمون له حبل النجاة؛ وذلك ضمن صفقة قوامها التالي: تخلي أنت (أي نتنياهو) عن اليمين المتطرف؛ وبالمقابل فإن معسكر بايدن في إسرائيل (حزبا “معسكر الدولة” و”هناك مستقبل”) يؤمن لك الإستمرار في الحكم.
في حال وافق نتنياهو على هذه الصفقة فهذا يعني حدوث نتيجتين إثنتين: الأولى فتح أفق سياسي جديد لنتنياهو (حكومة يمين ووسط ويسار من دون اليمين الديني المتطرف)؛ والثانية إعطاء فرصة أقوى لبايدين بالفوز في الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
وحالياً نتنياهو أمام خيارين إثنين عليه أن يفاضل بينهما خلال الأيام القليلة المقبلة: إما أن يعقد صفقة مع بن غفير وأشقائه تكون كلمة السر فيها الرهان على انتظار وصول ترامب للبيت الأبيض؛ وإما إبرام صفقة مع غانتس وأيزنكوت مؤيده من قبل بايدن.
ورغم أن مواقف بايدن وترامب تظهرهما أنهما متشابهان بخصوص الموقف من حرب غزة؛ إلا أنهما ليسا على مسافة واحدة من حرب معسكري اليمين والوسط داخل إسرائيل.
وما بات واضحاً اليوم هو أن أزمة إسرائيل في حرب غزة باتت تشكل إحدى مواضيع أميركا الداخلية الساخنة؛ وعليه صار صراع المحاور الإسرائيلية الداخلية بمثابة جزء من الصراع الحزبي الأميركي الذي يدخل في هذه المرحلة في تشعبات كبيرة وكثيرة. والبعض يتوقع أن تؤدي تداعيات حرب غزة إلى بروز مفاجآت سياسية داخلية ليس فقط في إسرائيل؛ بل في الولايات المتحدة الأميركية أيضاً؛ وما يؤشر إلى هذه الإمكانية هو بدء حصول اهتزازات كبيرة داخل ثلاثة مكونات تشكل بنية الحياة السياسية وأيضاً الحزبية الأميركية: ١- الحزب الديموقراطي الذي يشهد الآن ما يشبه إرهاصات انتفاضة شبابية وتقدمية بداخله؛ ٢- الحزب الجمهوري الذي يشهد حالة غير مسبوقة نتيجة أن ترامب القادم إليه من خارج تقاليده أصبح يمثل ظاهرة أكبر من حجم الحزب؛ ٣- اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية الذي لا يزال يدعم سياسة إسرائيل الرسمية؛ ولكنه أصبح يرى بقلق اليوم أنه لأول مرة يقوم يهود أمريكيين من الجيل الجديد بعصيان توجيهاته حيث بدأوا يخرجون من تحت عباءة مواقفه.
.. بإختصار الخارطة السياسية الأميركية الداخلية بعد حرب أوكرانيا؛ وخاصة بعد تداعيات حرب غزة المستمرة ستكون مرشحة لحدوث تغييرات دراماتيكية متتالية وعلى مراحل فيها.