خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
تقول إدارة بايدن أنها غير متأكدة من أن نتنياهو يريد احتلال كل رفح (؟!)؛ ومن وجهة نظر مراقبين كثيرين فإن هذا التصريح يعتبر مناورة ضد القاهرة وحماس والعرب بأكثر مما هو محاولة تشكيك أميركي بصدق نوايا نتنياهو.
بعد مرور نحو ثمانية أشهر من الحرب في غزة صار واضحاً حتى لفاقدي البصر أن هناك مناورتين إثنين تقوم عليهما هذه الحرب: الأولى مناورة عسكرية تدميرية ينفذها الجيش الإسرائيلي، والثانية مناورة سياسية دبلوماسية تدميرية لغزة تنفذها إدارة بايدن.
.. وهاتان المناورتان الإسرائيلية والأميركية تلتقيان عند هدف عميق واحد وهو الاستمرار بالحرب حتى تدمير حماس ليس فقط في غزة بل أيضاً بالضفة الغربية. فبايدن ونتنياهو لديهما سبب أيديولوجي واحد يدفعهما سراً أو علناً للإستمرار بالحرب والقضاء على حماس؛ وهو أنهما يعتقدان أن ما حدث في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ يمثل ثاني أكبر محرقة ضد اليهود بعد المحرقة الأولى في أوروبا، ويجب الاقتصاص حتى النهاية من الفاعلين (حماس وأيضاً بيئتها الاجتماعية والسلطوية)؛ والثاني سببه سياسي ومفاده التطبيع الإسرائيلي مع العرب وبالأخص مع السعودية؛ والواقع أن بايدن يعتقد أن من بين أهم الأسباب التي جعلت حماس ومن معها يذهبون لتنفيذ عملية طوفان الأقصى، هو رغبتهم بتفشيل حصول تطبيع بين السعودية وإسرائيل؛ فيما يعتقد نتنياهو أن التطبيع بين إسرائيل والعرب لم يعد ممكناً حصوله إلا إذا انتصرت تل أبيب بالكامل على حماس؛ والواقع أنه عند هذه النقطة يوجد التباين القائم حالياً بين نتنياهو وبايدن؛ فالأخير يطلب منه أن يوقف القتال لغاية استرداد الأسرى ثم يصار إلى تحريك ملف التطبيع مع السعودية، أما ملف القضاء على حماس فهذا الأمر ستتولى تنفيذه “السي آي إي” (عمليات اغتيال ممنهجة)؛ فيما نتنياهو يصر على أن العرب لن يتحدثوا أو يُطبعوا مع إسرائيل في حال لم تنتصر على حماس؛ ولذلك يجب إعطاء الأولوية “للنصر المطلق..”
وما تَقدم يُظهر أن الخلاف بين بايدن ونتنياهو هو مجرد تباين، ولا يشكل صدعاً في علاقات واشنطن بتل أبيب؛ فهو خلاف “حول كيف نصل إلى الهدف الواحد”؛ و”كيف نحققه”؛ وليس حول “ما هو الهدف” أو حول المقاربات الاستراتيجية التي يجب أن تُتبع لإحداث تغييرات تُفضي للاعتراف بالحقوق الفلسطينية.. والواقع أن الهدف المشترك للطرفين هو من جهة “القضاء على حماس” ومن جهة ثانية “تحصين وضع إسرائيل في المنطقة..”
وحتى بموضوع وقف إطلاق النار فيجدر ملاحظة أن بايدن لم يقل حتى الآن وقف النار فوراً وبشكل دائم؛ بل هو لا يزال بعد ٨ أشهر من الحرب يردد عبارة هدن طويلة؛ وبموضوع رفح يقول أن المطلوب خطة إسرائيلية تظهر القدرة على استكمال الحرب هناك بخسائر بشرية أقل.
واضح أن إدارة بايدن منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ حتى الآن؛ وهي تخوض مناورة دبلوماسية تغطي مناورة نتنياهو العسكرية في غزة؛ وبموجب هذه المناورة السياسية حمت إدارة بايدن إسرائيل في مجلس الأمن مرتين عبر التصويت بالفيتو ضد قرار وقف النار؛ وهي الآن تحميها بمواجهة الموقف الدولي المتعاظم الذي يدعوها لوقف النار فوراً ومن دون شروط.