خاص الهديل:
لعل المصادفات التي تحدث في إيران على صعيد الحوادث الجوية المتكررة في سقوط طائراتها، ليست غريبة ولا جديدة من نوعها؛ بل تعيد بالتاريخ الى أذهاننا بسلسلة من الحوادث، فعلى الرغم من حادثة أمس التي راح ضحيتها الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان ومرافقيه، اثناء عودتهم من تدشين سد مشترك مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف على نهر آراس الحدودي بين البلدين، جاءت الحادثة لتطرح تساؤلات عدة حول كيفية حدوثها ولماذا جاءت في توقيت عودة العلاقات الإيرانية الأذربيجانية التدريجية بعد انقطاع شهدته في الأعوام الماضية على عكس العلاقات الأسرائيلية الأذرية التي شهدت ازدهاراً في السنوات الأخيرة.
حادثة سقوط الطائرة ومقتل من على متنها، جاءت كالصاعقة على العالم عامةً وعلى الشعب الإيراني بشكل خاص، حيث لم تكن هذه الحادثة الاولى من نوعها في إيران على صعيد رؤسائها، ففي شهر آب من عام 1980 نجا الرئيس أبو الحسن بني صدر ومرافقوه من تصادم بين مروحيتين قرب الحدود الغيرانية والعراقية، لتصف حينها الحكومة الإيرانية نجاتهم بالمعجزة وربطها أيضاً بصدقهم الوطني، ليتكرر المشهد في حزيران من 2012 عندما نجا الرئيس محمود أحمدي نجاد من تحطم مروحية في مرتفعات اليرز بعد تعرضها لخلل فني.
اليوم وبعد حادثة أمس بدأ الغموض يلف حول الحادثة؛ فتكرار هكذا نوع من الحوادث من شأنه أن يسلط الرأي العام العالمي على ما تحمله من خفايا.. فعلى الرغم من أن حادث جلل كهذا ليس فريداً في إيران؛ لأنه من حيث الحوادث الإيرانية السابقة تعلمنا أن اغتيال رئيس إيراني في ظروف غير عادية هو أمر طبيعي؛ إلا أن الملفت في الأمر أنه وأثناء عودة الوفد الإيراني من الحدود الاذربيجانية.. كانت هناك مروحيتين ترافق مروحية الرئيس الإيراني وهاتين المروحيتين وصلتا إلى وجهتيهما بسلام، أما مروحية الرئيس ومرافقيه لم تصل!! من المسؤول عن اقلاع طائرة تحمل أشخاصاً بحجم الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في هكذا ظروف جوية غير مؤاتية للعودة!! هنا يمكننا طرح سؤال ومفاده، هل سقوط الطائرة كان حادثاً مفتعلاً أم اغتيالاً؟ بالإضافة إلى تساؤلات اخرى يمكننا طرحها:
أولاً: الطائرة الرئاسية لا يمكن أن تُقلع ما لم يتم تزويدها بتقارير الأحوال الجوية المسبقة، علماً أن الطائرة مزودة بأفضل الأجهزة الملاحية والإتصال.
ثانياً: الدور المحوري الذي تلعبه إيران في المنطقة على صعيد المقاومة ضد اسرائيل، في ظل عملية طوفان الأقصى وحاجة واشنطن الى التأثير المباشر عليها ، علمأً أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت مسبقاً مجموعة من الأسماء التي وضعتهم تحت لائحة الاغتيالات وقد أعطى بايدن الضوء الأخضر للمباشرة بذلك سواء عن طريق قواتها مباشرةً أو عن طريق تكليف القوات الاسرائيلية، وتشمل جميع قيادات المقاومة، فهل من بين هذه الأسماء الرئيس الإيراني ووزير خارجيته؟َ!!.
لكن إذا ما سلطنا الضوء على التساؤل الأول وسنطرح فرضيتين.. الأولى أن هناك من يقف وراء الاغتيال، لنلاحظ أن أصابع الاتهام أولاً تتجه نحو الداخل الإيراني كونه المسؤول الأول عن إرسال الإحداثيات والأحوال الجوية لإقلاع الطائرة الرئاسية.
أما الفرضية الثانية وهو أن هنالك خللاً فنياً أصاب المروحية، وهنا سنسلط الضوء بهذا الأمر على الاسطول الجوي الإيراني والذي سنصفه بالمتهالك، لأنه عندما نقول عنه متهالك فهذه الصفة لم تأت عن عبث، فوفقاً لما أكدته صحيفة “الاعتماد” الإصلاحية الإيرانية، أن عدد الطائرات السليمة والموثوقة في إيران لتنظيم الرحلات الجوية والداخلية يبلغ عددها مابين 7 الى 8 طائرات فقط !!، على الرغم من وجود 330 طائرة في البلاد، هناك فقط 30% يعمل منها، وذلك يعود للعقوبات الأمريكية بعد إنسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الإتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات، ومنع الشركات الأجنبية بتزويد طهران بطائرات جديدة!
أما فيما يخص الاغتيالات، فقد خسرت إيران خلال السنوات الأخيرة عددا من كبار العلماء والعسكريين والسياسيين الذي يشغلون مناصب حساسة في إيران، وآخرهم الجنرال محمد هادي حاجي رحيمي، يوم 1 أبريل 2024 بغارة إسرائيلية على المزة في العاصمة السورية دمشق، وهو نائب قائد فيلق القدس محمد رضا زاهدي.
محللون أشاروا أن الخسارة المفاجئة للرئيس الإيراني من شأنها أن تخلف فراغاً في السلطة وأن شخصيات بارزة ستبدأ بالمناورة للإستفادة من هذا الفراغ، في حين يرى آخرون أن وفاة الرئيس لن تؤثر في الشخصية السياسية الإيرانية؛ ولكنها ستشعل الصراع على السلطة، وهذا سيشكل بدوره اختباراً كبيراً للمرشد الأعلى في إيران.
يمكننا القول أن فقدان إيران لكبار مسؤوليها قد يجعل النظام ضعيفاً وغير كفوء؛ إلا إذا تمكن خامنئي من تحقيق انتقال سلس، فإن إيران سوف تظهر قدراً كبيراً من الاستقرار في وقت صعب جداً؛ لكن السؤال يبقى قائماً حول الكيفية التي قد يستجيب بها زعماء الغرب لوفاة زعيم تقف بلاده وراء قدر كبير من المقاومة، ناهيك عن دعمها العسكري المباشر لفلسطين عامةً وحماس بشكل خاص، بالإضافة لدعهما العسكري الحاسم للحرب الروسية الاوكرانية.
السؤال الأهم الآن ما هو مصير إيران بعد حادثة الطائرة واغتيال من فيها؟ وهل سيكون هناك تغيير في مواقف الحكومة الإيرانية على الرغم من بيان حكومتها بأنها ستواصل العمل من دون أدنى خلل أو مشكلة في الإدارة الجهادية للبلاد؟!.