خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
تؤدي وقائع حرب غزة إلى إحداث فرز مستمر داخل المجتمع الإسرائيلي بين الفئات التي تريد استمرار الحرب، ولكن بعد إطلاق الأسرى الإسرائيليين من أيدي حماس، وبين الفئات التي تريد استمرار الحرب ضد حماس من دون النظر إلى كلفة استمرارها على حياة الأسرى.
والواقع أن الفئة الأولى التي تطالب بإطلاق الأسرى أولاً، ومن ثم استناف الحرب على حماس بعد ذلك؛ هم بالأساس أهالي الأسرى الأحياء الموجودين بأيدي حماس؛ واللافت أنه يوجد على رأس أهالي الأسرى هؤلاء، الرئيس الأميركي بايدن الذي لديه ثلاثة إلى أربعة أسرى يحملون الجنسية الأميركية ويسعى بايدن لإطلاقهم أحياء قبيل عقد الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
أما الفئة التي تريد الاستمرار بالحرب بغض النظر عن مصير ملف الأسرى فهي تتكون بالأساس من أهالي الأسرى الذين قُتلوا، وأيضاً من أهالي الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال الحرب؛ وأيضاً من أطياف اليمين بكل مشاربه الساعين لقتل الفلسطينيين.
المهم أن هذا الفرز كما هو قائم اليوم داخل المجتمع الإسرائيلي، تتفق كل أطرافه على أمر واحد، وهو الاستمرار بالحرب على غزة وعلى حماس وعلى الشعب الفلسطيني؛ ولكنه منقسم حول متى يتم إطلاق الأسرى / وكيف يتم الاستمرار بالحرب؟؟: نتنياهو يقول أن إطلاق الاسرى يتم باستمرار الحرب وبالضغط العسكري على حماس؛ بينما أهالي الأسرى الأحياء الذين بينهم بايدن يقولون أن الطريقة المثلى لإطلاق الأسرى تتم عبر إبرام هدنة تتيح تبادل الأسرى، وبعد ذلك تستأنف الحرب ضد حماس مع تغيير نهجها، بمعنى الانتقال من الحرب الشاملة إلى الحرب النقطوية الممنهجة (أي الاغتيالات).
.. وخلاصة القول هنا أن الإنقسام الحالي في إسرائيل هو بين حزبين إثنين: “حزب استمرار الحرب”، و”حزب استئناف الحرب” بعد إطلاق الأسرى.
أما المنهجية التي تقدمها إدارة بايدن لتل أبيب حول كيفية تصفية حماس “بمسدس الحرب النقطوية” الناعم، وليس بالحرب المدمرة؛ فهي تذكر بالطريقة التي اتبعتها تل أبيب وواشنطن ضد حركة فتح بعد موافقة أرييل شارون عام ١٩٨٢ على خطة واشنطن حول وقف النار في بيروت، والسماح لقيادة فتح بالخروج من لبنان.
وخلال السنوات القليلة التي أعقبت تطبيق صفقة وقف النار في حرب الـ٨٢، وخروج فتح من لبنان واستقرار قيادتها في تونس وقبرص وعواصم أخرى؛ شنت إسرائيل بمساعدة استخبارية وسياسية أميركية حرباً نقطوية شاملة وممنهجة ضد فتح أدت إلى قتل تسعين بالمئة من قياداتها التاريخيين، وإلى قتل قيادات الصف الأول فيها من أبو جهاد الرجل الثاني في فتح، إلى أبو إياد الرجل الفولاذي في فتح، إلى آخرين كثيرين؛ أما عرفات الرجل الأول في فتح؛ فقد تم اغتياله بالسم لاحقاً، وذلك بعد تنفيذ آخر حرف في الاتفاق السري الذي أدى لوقف حرب ٨٢ وكان اتفاق أوسلو أحد ثماره.
إن تطورات حرب غزة، وقبلها سيطرة اليمين على الدولة العبرية؛ جعلت الاجتماع الإسرائيلي يتفاعل داخل ما يشبه أنه منقسم لحزبين إثنين: حزب استمرار الحرب بعد إطلاق الأسرى؛ وحزب استمرار الحرب بدون النظر لملف الأسرى.. وهذا الواقع يؤكد اضمحلال ما كان يسمى بمعسكر السلام داخل إسرائيل؛ وهذه الحقيقة تقود بدورها للسؤال عن البيئة السياسية الإسرائيلية التي سيستند إليها بايدن في حال كان جدياً بتنفيذ حل الدولتين؛ ذلك أن واقع إسرائيل في هذه اللحظة، وحتى إشعار بعيد سيستمر بالتفاعل على إيقاع طبول الحرب؛ والسؤال متى نكمل الحرب (؟؟) وليس متى نوقف الحرب(!!؟).
ويوم أمس اقتحم ايتمار بن غفير المسجد الأقصى في رسالة تقصّد من خلالها القول أن “الفيتو داخل إسرائيل على السلام وعلى حل الدولتين وليس فقط على وقف حرب غزة الآن؛ كبير جداً، وقادر على إحباط أي توجه داخلي أو أميركي لتمرير تسوية غايتها إبرام هدنة مؤقتة أو إبرام سِلم مستدام..