خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
يوم الثلاثاء الماضي سلمت إسرائيل مقترحها لصفقة تبادل أسرى مع حركة حماس للوسيطين المصري والقطري؛ وجاءت صياغة هذا المقترح بعد خلاف حاد ساد لأيام داخل الكابينت حول نقاط عدة. وكان من أبرزها ما إذا كان يجب الموافقة على مطلب حماس بوقف الحرب كشرط من شروط إنقاذ صفقة تبادل الأسرى؟؟.
انقسم الكابينت إلى موقفين إثنين؛ أحدهما رأى أن هذا الشرط قابل للتفاوض؛ فيما نتنياهو وفريقه تمسكوا برفضه على اعتبار أنه يعني الاستسلام لحماس.
لقد جرى النقاش في الكابينت هذه المرة؛ ولأول مرة، وفق روحية جديدة نظراً لعدة مستجدات أبرزها تهديد غانتس بالخروج من الكابينت في حال لم يستجب نتنياهو لمطلبه بوضع خطة لليوم التالي؛ صحيح أن نتنياهو يحاول تجاهل هذا التطور، ولكنه في العمق يعيش حالة قلق من أن استقالة غانتس وايزنكوت ستقلص التمثيل السياسي داخل الكابينت؛ المستجد الثاني هو الضغط الموجود على إسرائيل نتيجة تعاظم دينامية الحراك الدولي الذي يطالب بمحاكمة رموز الحكم الإسرائيليين ويدين إسرائيل بارتكاب حرب إبادة ضد غزة، والمتزامن مع تعاظم دينامية إعتراف المزيد من دول العالم وحتى داخل أوروبا، بالدولة الفلسطينية.. وإلى هذه المستجدات برز مستجد على “الرهبة” داخل الكابينت، وهو إدراك جميع أعضائه أن اللحظة الراهنة تمثل آخر فرصة لإنقاذ الأسرى الإسرائيليين الأحياء، وأن عدم الذهاب لصفقة في هذه اللحظة سيقود للتوغل أكثر داخل رفح من دون أن يؤدي ذلك إلى أي جديد على مستوى الأسرى، بل سيؤدي على الأغلب إلى موت من تبقى من الأسرى؛ الأمر الذي سيعقد الأمور أكثر، وسيقود حرب غزة للدخول في معادلة الفوضى التي لا يوجد قدرة على توجيه فصولها المقبلة!!.
كل هذه الجوانب جعلت كابينت الحرب يصوغ مقترحاً يتميز بأنه يتضمن ثلاث مراحل والأبرز بينها أنه ينص على أن تل أبيب تقبل بالتفاوض على وقف نار دائم بعد انتهاء المرحلة الأولى.
وخلال عمليات بحث الكابينت لصيغة المقترح كان الخط الساخن مفتوحاً بين أعضائه وعواصم غربية حليفة لتل أبيب؛ وهذه العواصم وجهت للكابينت ثلاثة توجيهات أساسية لتشجيعها على إنجاز المقترح الإسرائيلي الجديد: التوجيه الأول حمل عنوان “فلتتحدى إسرائيل يحيى السنوار من خلال تقديم صفقة شاملة”؛ والمقصود هنا إحراجه بعدما نجح في المرة السابقة بإحراج إسرائيل عندما وافق على مقترح كانت وافقت عليه تل أبيب ما دفع نتنياهو حينها للتراجع عن تأييده ما رسم صورة في العالم تفيد بأن حماس تقبل الصفقة المقبولة دولياً فيما إسرائيل تعارضها.
التوجيه الثاني يقول “أن حماس ذاتها تدرك أنه لن يكون بمقدورها حكم غزة في اليوم التالي وذلك لأسباب كثيرة”؛ وعليه فإنه لا يجب على إسرائيل أن تخشى من اليوم التالي في غزة.
التوجيه الثالث حمل عنوان مفاده أن على “إسرائيل أن تعتبر نفسها أنها حققت كل أهدافها من حرب غزة؛ ذلك أن حماس لم يعد بمقدورها أن تكرر ما فعلته يوم ٧ أكتوبر”!!.
وتقول معلومات أن الجهة الأساسية التي شاركت في صياغة هذه التوجيهات الثلاثة التي أدت إلى تشجيع الكابينت على صياغة المقترح الإسرائيلي الأخير الذي أعلنه بايدن يوم الجمعة الماضي، هي بريطانيا، وتحديداً من خلال مشاركة فعلية وشخصية من قبل كل من رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير ووزير الخارجية ديفيد كاميرون، وذلك بالتنسيق اللحظوي مع أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركية، وجرى الحصول على غطاء سياسي كامل لهذه العملية السياسية من قبل الرئيس الأميركي.
لقد كانت الخطة البريطانية تقوم على الأفكار التالية:
أ- تقدم إسرائيل مقترحاً يوجد فيه نافذة تستجيب للنقاش مع مطلب حماس بوقف الحرب.. ولكن المقترح يضع شرطاً لتحقيق هذا المطلب لحماس، وهو أن تنفذ جميع إلتزاماتها بإطلاق الأسرى..
وبحسب الخطة البريطانية التي شارك بلينكن بصياغتها فإن من يعلن المقترح الإسرائيلي هو بايدن ذاته وذلك من أجل إشعار حماس بأن البيت الأبيض يضمن معنويا تنفيذ الاتفاق؛ ما يجعل حماس تتراجع عن مطالبتها بضمانات أخرى كروسيا أو الصين، الخ..
ب- ان الخطة تنص على محاولة عزل وزراء اليمين المتطرفين عبر توجيه اتهام مباشر لهم من قبل بايدن بأنهم يرفضون صفقة إرجاع الأسرى إلى بيوتهم والهدف من ذلك تشجيع نتنياهو على الخروج من حصار بن غفير وسموترتيتش له؛ وتعويضه عنهما بالابيد وغانتس، الخ..
ج- تغيير مفهوم تحقيق الهدف النهائي للحرب الإسرائيلية أي تبديله من هدف القضاء على حماس إلى هدف منع حماس من تكرار أحداث ٧ أكتوبر.. والهدف من ترسيخ هذه النقطة هو مد حبل خلاص لنتنياهو حتى يمكنه القول أنه حقق النصر من وراء حرب السيوف المسنونة.
حتى هذه اللحظة لا تزال خطة إنزال نتنياهو عن شجرة اليمين المتطرف متواصلة، رغم ما ظهر من تصريحات مناقضة لها من قبل نتنياهو؛ فالظاهر هو أن مناورة بايدن التي تقف وراءها عصارة الخبرة البريطانية، لا تزال تحتاج لبعض الوقت حتى يتم تمريرها بالكامل..