خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
أقر الكنيست بالقراءة الأولى قانون يسمح بمتابعة السماح للحريديم بعدم الخدمة في الجيش الإسرائيلي؛ وذلك تحت مبرر أنهم يخدمون أمن إسرائيل من خلال تفرغهم لدراسة التوراة.
.. أصل هذه القصة بدأت منذ أيام ديفيد بن غوريون في العقد الخامس من القرن الماضي؛ آنذاك كان عدد الشباب من أبناء الحريديم المتوجب عليهم تأدية الخدمة العسكرية لا يتعدون الستين طالباً في المدرسة الدينية؛ وقد أعفاهم بن غوريون من الخدمة العسكرية، وفي ذهنه أنه بذلك ينشئ نوعاً من التوازن في الامتيازات بين اليهودي الإشكنازي العلماني الذي كان يسيطر على كل الحكم في إسرائيل، وبين اليهودي الأرثوذكسي السفاريمي قليل العدد والامتيازات؛ ولكن الشباب الستين الذين تبرع بن غوريون بإعفائهم من الخدمة العسكرية كي يحتويهم داخل المجتمع الإسرائيلي العلماني، أصبحوا الآن ٦٠ ألف شاباً حان بموجب قانون الخدمة العسكرية في إسرائيل، إلتحاقهم بالجيش، ولكن القانون العائد لأيام بن غوريون يعفيهم من الخدمة العسكرية ويعتبر تفرغهم لتعلم التوراة هو خدمة وطنية تفوق بأهميتها الخدمة العسكرية!!
في شباط الماضي طالبت المحكمة العليا في إسرائيل من الحكومة أن تراجع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة في الجيش؛ وطالبت بتغييره لصالح قانون جديد يساوي بموضوع الخدمة العسكرية بين كل “مواطني إسرائيل”.
وردّ كبير حاخام الحريديم يتسحاق يوسف بأنه في حال لبّت حكومة نتنياهو طلب المحكمة العليا، فإنه سوف يأمر أبناء الحريديم بحزم أمتعتهم والهجرة من إسرائيل!!..
السؤال الذي يطرح نفسه تعقيباً على كل السيناريو الوارد أعلاه، هو إلى أية دولة وأية أرض يريد حاخام الحريديم أن يهاجر مع اتباعه الذين تبلغ نسبتهم ١٣ بالمئة من سكان إسرائيل؟؟..
يجيب الحاخام يوسف أنه سيقصد مع أتباعه أية أرض يستطيع فيها الحريديمي أن يخدم التوراة!!
.. هكذا، وببساطة منقطعة النظير؛ يجيب الحاخام يتسحاق يوسف عام ٢٠٢٤ على سؤال مطروح منذ نهايات القرن ما قبل الماضي؛ وهو لماذا جاء اليهودي بالأساس من أصقاع العالم إلى فلسطين؛ طالما أن الحاخام يتسحاق يوسف يقول بعد أكثر من مئة عام أن وجوده مع أتباعه في فلسطين (المسماة الآن زوراً إسرائيل)، هو وجود وظيفي وليس وجوداً ينفذ إرادة الله، وبالتالي يمكنه التخلي عن وجوده في فلسطين في حال تم انتقاص الوظيفة التي يقوم بها؛ وهي خدمة التوراة وليس خدمة البقاء في فلسطين التي قال عنها هرتزل والحاخام روك راف، أنها أرض الميعاد لليهود!!
والواقع أن تهديد الحاخام يتسحاق يوسف بالهجرة نحو أرض أخرى غير فلسطين ليكمل فيها وظيفته في خدمة التوراة؛ يجيب عن نصف قصة زيف وعد بلفور وسردية هرتزل عن أرض الميعاد التي يكملها اليوم بن غفير وسموريتش عبر اختراع سردية بحثهم عن شواهد تاريخية تحت المسجد الأقصى تؤكد حق اليهود الديني والتاريخي بفلسطين بوصفها “أرض الميعاد”.
.. وببساطة؛ فإنه بعد أكثر من قرن، يقول يتسحاق يوسف عن فلسطين ما معناه هذه ليست أرضي المقدسة بل هي مجرد مكان متاح لي أن أمارس فيه مهمتي المقدسة، وهي دراسة التوراة؛ وحينما ينكر علي الصهيونيون هذه المهمة فإنني سأهاجر مع “الله والتوراة” إلى أرض أخرى لأمارس فيها مهمتي المقدسة وهي دراسة التوراة المقدسة.
يتسحاق يوسف بكلامه هذا يكشف حقيقة جديدة داخل كتاب تزوير الصهيونية للحقائق؛ وهي أن اليهود لديهم مهمة مقدسة وليست أرض مقدسة، وأن الصهيونية ليست إلا محاولة زائفة لجعل اليهودي لديه أرض مقدسة على حساب مهمته المقدسة.
وبعيداً عن نقاش زيف الإدعاء الصهيوني بفلسطين؛ فإن قضية إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية تطرح حقائق أخرى هذه المرة عن دولة إسرائيل ذاتها؛ وأبرز هذه الحقائق تتصل بأن ١٣ بالمئة من يهود إسرائيل، أي اليهود الحريديم؛ زائد نسبة أكبر منهم، وهم عرب مناطق احتلال العام ٤٨ (تسميهم إسرائيل بمواطنيها رغم اضطهادها لهم)؛ هؤلاء جميعهم الذين تتجاوز نسبتهم نصف سكان إسرائيل لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي!!. علماً أن هؤلاء هم الشرائح القومية أو الإجتماعية الأكثر تناسلاً داخل ما يسمى بدولة إسرائيل، الأمر الذي يعني أن نسبتهم (عرب الـ٤٨ + حراديم) ستصبح نسبتهم بعد أقل من عقدين أكثر من نصف مواطني إسرائيل؛ ما سيرسم صورة لإسرائيل من داخل إسرائيل تناقض سرديتها الصهيونية عن نفسها: إذ كيف يمكن إطلاق تسمية دولة على كيان أغلبية “مواطنيه” لديهم أسباب قومية أو عقائدية أو دينية تمنعهم من الخدمة في الجيش الإسرائيلي ومن الدفاع عن دولتهم وأرضهم المقدسة والتاريخية حسب السردية الصهيونية؟!!