د. حمد الكواري: ليس من صالح أحد عدم استقرار فرنسا القوة الإقليمية المؤثرة
”من الضروري وضع الأزمة الفرنسية في سياقها والتي، على الرغم من مميزاتها الخاصة، تندرج ضمن أزمة الديمقراطية العالمية. وقد مست هذه الأزمة بطرق مختلفة جميع القارات، بما في ذلك الولايات المتحدة،”
ادغار موران
عشت في فرنسا عدة سنوات كسفير، وتعلمت لغتھا ودرست بعض الوقت في جامعاتها، وأحمل 3 أوسمة من قياداتها.
ومن الطبيعي في الحالة هذه، أن أكون ملما بأوضاعها ومتابعا لشؤونها وعارفا بتأثيرات متغيراتها السياسية على أوروبا والعالم، فرغم انقياد فرنسا إلى الأمركة، خاصة مع ماكرون، فإنها ما تزال قوّة أوروبية بامتياز.
فلا أحد ينكر أهمية فرنسا كدولة محورية ومؤثرة في العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا رغم تراجعها الكبير. فهي الدولة الرئيسية الأكبر والأكثر تأثيرا في الإتحاد الأوروبي
وهي الدولة الزعيمة لدول (الفرانكفونية) ال 55 عضوا ومعظمها من غرب أفريقيا وشمالها.
وفي فرنسا قوة عاملة مهاجرة عربية وافريقية كبيرة لها الدور الرئيسي وعليها الاعتماد الذي كان ولا يزال في بناء فرنسا.
ورغم تراجع دور فرنسا وتآكل مكانتها وتأثيرها النسبي يبقى لها تأثيرها ودورها الذي لا يمكن تجاوزه.
لذلك من الطبيعي متابعة تطوراتها وانتخاباتها وقراءتها القراءة الصحيحة، لمعرفة تأثيرها على مستقبل فرنسا والاتحاد الأوروبي والدول المتأثرة بالنفوذ الفرنسي ومن ضمنها لبنان والتاريخ سيحكم على مدى تسرع الرئيس ماكرون ودعوته للانتخابات الأخيرة، فهي خلقت وضعا جديدا صعب المراس بل أنتجت ما يسمّى الان ب”البرلمان المعلّق” بعد شيوع الخوف لأيام من تفوّق اليمين المتطرّف، وانتصار مشبع بمشاعر اليقظة للجبهة الشعبية اليسارية.
فرغم أنه ليس أول مرة يفترض الوضع التعايش رئيس يمثل اتجاها وتشكيل حكومة من اتجاه آخر لأغلبية مختلفة، فقد حدث هذا في عهد الرئيس ميتران بحكومة يرأسها اليمين المعتدل ممثلا بشيراك، وحدث أيضا العكس في عهد الرئيس شيراك
ولكن في الوضع الراهن ليس هناك أغلبية لتشكيل الحكومة، والتحالف متعذر وإن حدث فهي وصفة لعدم الاستقرار، في عالم مضطرب سياسيا واقتصاديا وفي وقت يتطلب قرارات مصيرية في مواجهة الانتفاضة الإفريقية مع انعكاساتها السياسية والاقتصادية على فرنسا.
ليس من صالح أحد عدم استقرار فرنسا القوة الإقليمية المؤثرة.
إنها مرحلة جديرة بالمتابعة ولها تبعاتها… وأيا كانت نتائج هذا المسار فإن التجربة الفرنسية تقدَم دروسا في قدرة الشعوب على تغيير الأوضاع حين تستشعر الخوف من زحف العنصريين واليمينيين الذين يربكون توازن أوروبا مثلما يربكون المشهد الفكري الغربي والعالمي، فليس أشقّ على الشعوب من أن تتنفّس هواء السياسات اليمينية بعد عقود من النضالات من أجل التعايش وقبول التنوع والحرص على الحقوق الفردية للإنسان.