خاص الهديل ..
بقلم: ناصر شرارة
الغارة الإسرائيلية على ميناء الحديدة اليمني، جرى تصميمها لتوحي بعظمة سلاح الجو الإسرائيلي؛ ولتذكر بأن إسرائيل تملك رابع أقوى جيش في الشرق الأوسط، ورابع عشر أقوى جيش بالعالم؛ وبأن لديها قدرة جوية تمكنها من تدمير أي هدف في المنطقة.. باختصار غارة الحديدة صممتها تل أبيب لتقول شيئاً واحداً، هو في الواقع لم يعد موجود عملياً لدى إسرائيل؛ ومفاده إظهار صورة عن قدرتها على الردع في المنطقة.
بالأساس فإن ملف البحر الأحمر وأمن الملاحة فيه هو ملف أميركي – دولي وليس ملفاً إسرائيلياً حتى لو انطلقت منه عمليات الحوثي ضد التجارة البحرية الإسرائيلية. وإسرائيل لديها مصلحة وحاجة لأن تتكفل أميركا وحلفائها في الناتو بموضوع التصدي لأنصار الله في البحر الأحمر؛ وذلك لعدة أسباب أبرزها ضعف سلاح البحرية الإسرائيلية؛ فإسرائيل تحاول الآن، وبمفعول رجعي، تضمين عقيدتها العسكرية الجديدة مبدأ ضرورة تعزيز سلاحها البحري بوجه إيران وحلفائها.. أضف لذلك أن إسرائيل حينما بدأت أنصار الله بالتعرض لحركة التجارة الإسرائيلية في البحر الأحمر إسناداً لمقاومة غزة؛ اجتمع الكابينت الإسرائيلي المصغر وتدارس الموقف وتم اتخاذ قرار ترك أمر التصدي للحوثي في البحر الأحمر لتحالف دولي تقوده واشنطن؛ ذلك أن تحدي التجارة الدولية هو أمر يجب على المجتمع الدولي مجتمعاً معالجته وليس إسرائيل!!.
كان واضحاً ان إسرائيل لا تريد فتح جبهة إضافية؛ كونها معنية بالاقتصاد بمواردها العسكرية؛ أضف ان إسرائيل – وهذا هو الأهم – لا تريد الخروج لمواجهة بحرية، نظراً لضعف إمكاناتها على هذا الصعيد!!.
.. غير أن نتنياهو ومعه كل المستوى الأمني والعسكري وبقية أحزاب إسرائيل؛ قرروا بعد قصف الحوثي لتل أبيب بمسيرة يافا ومقتل مواطن هناك؛ انه لا يمكن لإسرائيل إزاء هذه الواقعة أن تترك ملف الرد على استهداف تل أبيب لواشنطن كما تفعل بخصوص استهدافات أنصار الله لايلات؛ بل هناك حاجة ملحة لأن ترد إسرائيل بنفسها على استهداف عاصمتها.
كما أن إسرائيل قررت أنه من الضروري أن يكون الرد عنيفاً ومؤذياً وأن يكون له صدى عالمي؛ والغاية من ذلك إيصال رسالة للمنطقة بأن إسرائيل لن تسمح باستهداف عاصمتها من دون ردود مزلزلة؛ وأيضاً إيصال رسالة لإدارة بايدن بأن قرار عدم توسع الحرب في المنطقة قد يصبح لاغياً في حال أصبحت تل أبيب مكشوفة على عمليات قصفها من أية جهة في المنطقة.
والواقع ان إسرائيل موجودة الآن في متاهة اليوم التالي بعد ردها على قصف تل أبيب، وبعد قصفها العنيف لميناء الحديدة!!؛ فتل أبيب تعرف ان الضربات العسكرية لن تنجح في ثني الحوثي عن تكرار قصفه لايلات، ولا عن تكرار قصفه لتل أبيب وأيضاً لحيفا..
وحتى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية أعلن قبل أيام صراحة في مؤتمر أمني دولي بأن الضربات العسكرية ضد أنصار الله، لن تحل أزمة البحر الأحمر، وأن المطلوب بذل جهود مشتركة، من بينها توجيه ضغط دولي لإقناع الحوثي بالتوقف.
وليس معروفاً الآن كيف ستتطور أزمة البحر الأحمر؛ ولكن ما يبدو واضحاً حتى هذه اللحظة المبكرة هو أن واشنطن لا تزال صامدة عند مبدأ عدم توسيع الحرب؛ بدليل أن مصادرها تقصدت أن تسرب خبراً بعد ساعات من غارة الحديدة، يقول إن الولايات المتحدة لم تشارك بها. فواشنطن تريد إبقاء الباب موارباً لإنهاء التصعيد في البحر الأحمر، أو أقله تريد إعادته لنقطة التصعيد المسيطر عليه كما كان الحال قبل ١٨ تموز.
الآن هناك انتظار لطبيعة رد الحوثي على غارة الحديدة: هل ستعاود أنصار الله قصف تل أبيب(؟؟)؛ ما يجعل الوضع يبدأ بالتدحرج نحو حرب إقليمية.. أم هل سيعود الحوثي لمبدأ قصف ضواحي ايلات؛ وهو أمر تعتبره إسرائيل انه ضمن قواعد الاشتباك مع اليمن، حيث الرد في هذه الحالة، هو من مسؤولية واشنطن والغرب(؟؟)؛ أم هل يذهب الحوثي لنهاية الشوط في التصعيد؛ فيقوم باستهداف تل أبيب وحيفا ومنصة قاريش في وقت واحد؛ وحينها سيصبح موضوع بدء الحرب بمثابة أمر واقع ليس هناك هامش كبير لمنعها..
وضمن مشهد التصعيد يجدر معرفة رأس الخيط في بدايته: هل بدأ التصعيد مع لحظة انفجار مسيرة يافا داخل تل أبيب؟؟؛ أم هل بدأ التصعيد مع لحظة تصريح بلينكن بأن إيران تحتاج لأسبوع أو إثنين حتى تصبح قادرة على تصنيع قنبلة نووية.. وهذا التصريح يوحي لطهران بأن واشنطن تمهد لحرب ضدها، وذلك رغم قول بلينكن ان واشنطن تفضل حل خلافها النووي معها بالدبلوماسية(؟؟). أم هل التصعيد بدأ من نقطة إرسال الجيش الإسرائيلي قبل أيام لقائد القيادة الأميركية الوسطى خطة المناورة البرية العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية ضد حزب الله؟!!.
خلاصة القول إن عملية قصف تل أبيب بمسيرة يافا ربما كانت رسالة للرد على استشعار محور الممانعة بأن هناك “تطوراً عسكرياً خطراً” يتبلور داخل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.. والسؤال هل انقطع مسار هذا “الأمر العسكري الخطر” الذي كانت إسرائيل تستعد لتنفيذه مستفيدة من ضعف بايدن، وحاجة مرشحي الرئاسة الأميركية لدعم وتمويل الايباك اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية..