نادين خشّاب والـ24 ساعة الأخيرة في حياتها: فرضيّتان تفضحان واقعاً مخيفاً في لبنان
ماتت نادين. لم تصمد أكثر من 24 ساعة بعد ظهور أوّل عوارضها الصحّية. ماتت نادين وفُتح تحقيق بسبب وفاتها الغامضة. اختلفت الروايات حول السبب الرئيسي للوفاة، الفرضية الأولى تقول إنها توفيت بسبب تنشّقها #مواد سامة بعد أن استعانت بشركة لرشّ المبيدات الحشرية في منزلها. أمّا الفرضية الثانية فتشير إلى تسرّب #غاز الليثيوم من بطارية لألواح الطاقة الشمسية.
لا شيء مؤكّد حتى الساعة إلّا حقيقة واحدة أنّ نادين خشّاب توفيت بسبب خطأ ما وليس قضاءً وقدراً. نعت بلدة المنصوري الجنوبية ابنتها وهي في حالة صدمة وذهول. رحلت نادين بينما ترقد العاملة المنزلية في العناية الفائقة بسبب حالتها الحرجة.
أسئلة كثيرة تُطرح في قضية وفاة نادين، ماذا جرى داخل المنزل؟ ما الذي أدّى إلى تدهور حالة نادين والعاملة بهذا الشكل الدراماتيكيّ؟ هل نحن أمام فوضى مراقبة سواء في رشّ المبيدات أو في بطاريات الليثيوم؟
لن نستبق التحقيقات وكلّ الفرضيات مطروحة إلى حين صدور التقرير النهائيّ بسبب الوفاة. يتحدّث أحد أفراد عائلتها لـ”النهار” عن قدوم فرقة من الأدلّة الجنائية إلى منزلها حيث تمّ سحب عيّنات مختلفة، ومن المتوقّع أن يصدر التقرير بعد أسبوع. في حين أشار تقرير الطبيب الشرعي إلى وجود حالة تسمّم قوية ناتجة عن الاستنشاق”.
أخذت العينات من مختلف الأماكن في المنزل لمعرفة السبب الرئيسي المسؤول عن الوفاة. الأكيد وفق ما يؤكد أحد أقاربها أنّها “توفيت نتيجة تسمّم، ولكننا نجهل المصدر، هل هو بسبب رشّ المبيدات حيث استعانت بشركة للقيام بذلك قبل يومين (أي نهار الخميس الفائت)، أو يوجد سبب آخر أدّى إلى تعرضها لهذا التسمم القوي. حتى إنّ هرتها توفيت أيضاً والتي قد تكون تعرّضت للتسمّم أو الاستنشاق نفسه”.
عانت نادين، ابنة الـ49 عاماً، صباح نهار السبت من عوارض شبيهة بعوارض التسمّم الغذائي أي غثيان وتعب وألم في البطن. ويروي قريبها أنّها “اتصلت بصديقتها وطلبت منها اصطحابها إلى المستشفى. تلقّت العلاج في المصل قبل أن تعاود أدراجها. لكن بعد الظهر، تدهورت حالتها بسرعة واشتدّت آلامها ليتمّ نقلها إلى مستشفى جبل عامل من جديد حيث تلقّت حقنة للتخفيف من آلامها، لكنّها دخلت في غيبوبة قبل أن يستسلم جسدها إلى الأبد”.
أسئلة كثيرة ما زالت معلّقة في انتظار الحصول على أجوبة شافية، ومنها لماذا دخلت في غيبوبة؟ ما الذي تسبّب لها بالتسمم القوي؟ “نحن نجهل ما حصل لها”، بهذه الكلمات يتابع قريبها تفاصيل الساعات الأخيرة من حياة نادين التي توفيت بين ليلة وضحاها.
صحيح أنّ وفاتها شكلّت صدمة للجميع ولكنّنا لا نريد أن نظلم أحداً أو نتّهم أيّ جهة قبل صدور تقرير الأدلة الجنائية. وفي حال تبيّن وجود دليل على سبب وفاتها سنطلب من القضاء التحرّك واتخاذ الإجراءات اللازمة، ونحن تحت سقف القانون.
في موازاة ذلك، أصدرت وزارة الصحة بياناً تؤكد فيه “أن الوزارة فتحت تحقيقاً طبياً وعلمياً لتحديد الأسباب الحقيقية للوفاة وبناء المقتضى، على أن يتمّ إعلام الرأي العام بالنتائج فور تبيانها في أسرع وقت ممكن”.
ولأننا لا نعرف بعد السبب الرئيسي لوفاة نادين، سنغوص تباعاً بمخاطر الفرضيتين المطروحتين. ولنبدأ بالفرضية الأولى التي تشير إلى استنشاق نادين مواد سامة بعد أن استعانت بشركة لرشّ المبيدات الحشرية في منزلها. ما مدى خطورة هذه المبيدات على صحة الإنسان؟ وهل يكون التعرّض لها قاتلاً؟
تشرح الاختصاصية في الأمراض الداخلية والرئوية والاختصاصية في علم الوبائيات والإحصاء الحيوي الدكتورة لبنى طيارة في حديثها لـ”النهار” عن وجود أنواع مختلفة للمبيدات الحشرية والتي تُستخدم لرشّ المنازل والمستودعات وغيرها أو للزراعة. وتُقسم المبيدات الحشرية المنزلية إلى نوعين: الأول الذي يستخدمه الناس للقضاء على حشرة أو في زاوية محدّدة وتكون عادة الكمية المستخدمة قليلة. أمّا النوع الثاني فيكون من خلال الاستعانة بشركة خاصة تقوم برشّ المبيدات الحشرية في المنازل أو المستودعات…”.
وتشدّد طبارة على الكمية المستخدمة التي تُشكّل الركيزة الأساسية في عملية الرشّ، فكلما كانت الكمية كبيرة ارتفع الخطر أكثر واستوجب اتّخاذ إجراءات وقائية تفادياً لأيّ مخاطر صحية خطيرة.
لذلك تعتبر الكمية المستخدمة أساساً في مسار الرشّ، وانطلاقاً من ذلك، توضح طبارة أنّ أيّ مبيد حشري مستخدم لا يجب استنشاقه، حيث يتوجب تهوئة المكان جيداً. وتعود الفترة الزمنية التي يتوجب على الشخص إخلاء المنزل أو المكتب بعد الرشّ إلى الشركة التي تتولّى هذه العملية. وتتفاوت المدة الزمنية بناءً على المواد المستخدمة وخطورتها والمساحة التي يتمّ رشّها.
وعن المخاطر الصحية التي تُسبّبها هذه المبيدات الحشرية عند التعرّض لها، فهي لا تختلف عمّا تُسبّبه للحشرات حيث تصيب الشخص بالشلل في العضلات فيصبح عاجزاً عن الحركة وتتوقّف عضلة التنفّس عن العمل ما يؤدّي إلى صعوبة في التنفّس والوفاة. وكما تقول طبارة إنّ “معظم المبيدات الحشرية تعمل بهذا الشكل، وفي حال تنشّق كمية كبيرة من هذه المبيدات الحشرية أو تنشّق كمية صغيرة على مدى طويل يمتصّها الجلد والجهاز التنفّسي ويجد نفسه عاجزاً عن التنفّس”.
تؤثر عوامل كثيرة في تدهور الحالة بشكل دراماتيكيّ، مثل عدم تهوئة المنزل وإغلاق النوافذ وتشغيل المكيّف حيث تكون المبيدات ما زالت قابعة هناك ويتنشّقها الشخص فتؤدّي إلى إصابته بعوارض صحية خطيرة. هذه المبيدات التي لا تكون مرئية تكون موجودة على الشعر وعلى الجلد ويتنشّقها الشخص حيث يمنع المبيد انتقال الإشارات من العصب إلى العضلات ما يتسبّب بشلل في الجسم لاسيّما في الجهاز التنفّسي. ونتيجة ذلك، يدخل الشخص في غيبوبة بعد تعطّل أعضائه خصوصاً الرئتين ومن ثمّ يفارق الحياة.
ما زاد من حدّة حالة نادين أنّها عادت إلى المكان “الموبوء” أي المرشوش وبالتالي عادت إلى استنشاق هذه المبيدات ما أدّى إلى تدهور صحّتها بشكل سريع.
هذه الحادثة تفتح الباب واسعاً أمام الاستخدام العشوائيّ للمبيدات الحشرية، التي يكون بعضها عالي الخطورة أو محظوراً دولياً والتي تُستخدم من دون حسيب أو رقيب. وككلّ مرّة نخسر فيها شخصاً نتيجة فوضى أو إهمال، نعود لنرفع الصوت حول الفوضى المستشرية في مختلف القطاعات، فأين هي الرقابة التي يتوجب على الوزارات المعنية تولّيها؟ من يراقب السوق وكيفية استخدام هذه المبيدات الحشرية سواء للرشّ أو للزراعة؟ وماذا جرى في الملفّات السابقة ومنها المبيدات الزراعية المسرطنة التي كانت تُستخدم في لبنان؟
ماذا عن فرضية تسرب غاز بطارية الليثيوم؟
يوضح الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب أنها مستبعدة جداً، لأن بطارية الليثيوم لا تُسرب الغاز بل يمكن أن تسبب حرائق أو تتضخم في البطارية.
وعليه، قد يؤدي التركيب الخاطىء للبطارية إلى احتكاك كهربائي أو حريق صغير .
أما في حال سلمنا جدلاً بأن البطارية ليست بطارية ليثيوم وانما من مكون الأسيد فهي تحتاج إلى تسرب كبير يؤدي إلى الاختناق، ولكن فرضية الاختناق بسبب بطارية أحد الجيران تبدو شبه مستحيلة، لأن الضرر سيصيب أولاً الأشخاص المعنيين الذين يملكون البطارية قبل غيرهم.
ويشدّد على أهمية التأكد من صحة البطارية وفق المعايير الآمنة وتركيبها بطريقة صحيحة لتفادي أي حوادث فردية يمكن تفاديها باعتماد الإجراءات اللازمة