خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
كل المنطقة تعيش تحت ما يمكن تسميته “قبة حديدية سياسية” يساهم في تعزيزها الجميع؛ إيران وإسرائيل وحزب الله، الخ.. ومهمة هذه القبة الحديدية السياسية هي إطلاق صواريخ مضادة للانزلاق نحو الحرب الشاملة..
في إسرائيل يشيع تداول مصطلح يطلق على منطقة الشرق الأوسط تسمية “الحارة”؛ فيقولون مثلاً أن لا أحد في “الحارة” يريد الانزلاق لحرب شاملة؛ ويؤكدون على أمر أساسي؛ ونفس هذا الأمر يؤكده الإيراني والأميركي، ومفاده أن اللعبة العسكرية والسياسية لا تزال تجري تحت الخط الأحمر الذي لا يريد أي طرف في “الحارة” تجاوزه، خشية اندلاع حرب إقليمية شاملة لا يوجد لأحد مصلحة فيها..
ولكن ما يبدو لافتاً هو أن الجميع يحذر من تجاوز الخط الأحمر الذي فيما لو تم تجاوزه ستتحول المواجهات الجارية في شمال فلسطين بين الحزب وإسرائيل والجارية في البحر الأحمر مع الحوثيين، إلى حرب إقليمية شاملة؛ ولكن أحداً من هذه الأطراف لا يحدد ماهية هذا الخط الأحمر؛ بمعنى ما المقصود عملياً بهذا الخط الأحمر؛ ما هو شكله؛ ما هو نوعه!؟.
أغلب الظن أن أطراف الصراع في “الحارة” يبتعدون عن تقديم تحديد مادي واضح لماهية الخط الأحمر، وذلك حتى لا يصبحوا أسرى لهذا الخط الأحمر المعلن؛ بحيث يصبحوا مضطرين للذهاب إلى حرب شاملة حينما يتم خرقه..
وواقع الحال أن كل الخطوط الحمر التي تخطر على بال أي مراقب تم خرقها عملياً، ومع ذلك لا يزال أطراف صراع “الحارة” القريبين والبعيدين يحذرون بعضهم البعض من مغبة خرق الخطوط الحمر!!. الحوثي أرسل طائرة يافا إلى تل أبيب؛ وهذا خط أحمر إسرائيلي داست عليه إيران بواسطة أنصار الله. ومع ذلك لم يعلن نتنياهو الحرب الشاملة.. وبدل ذلك رد نتنياهو على “يافا تل أبيب” باغتيال إسماعيل هنية في مقر ضيافة الحرس الثوري في وسط طهران؛ وهذا اختراق للخط الأحمر الإيراني، وأكثر من ذلك، مثل توجيه صفعة لما أسماه السيد حسن نصر الله “لشرف إيران”.. ومع ذلك أعلنت إيران أنها سترد ولن تشن حرباً..
في الجولان المحتل أصاب الصاروخ الملتبس ملعب أطفال سفكت دمائهم ولكن هذا التطور لم تعتبره إسرائيل بمثابة تجاوز للخط الأحمر الذي يلزمها بإعلان الحرب؛ بل اعتبرته تجاوزاً للخط الأحمر الذي يحتم عليها الرد..
.. وبعد فترة قصيرة جداً بكل المقاييس لواقعة مجدل شمس المؤسفة؛ ردت إسرائيل باغتيال القائد العسكري الأبرز في حزب الله السيد فؤاد شكر، وذلك في وسط الضاحية الجنوبية لبيروت التي يعتبر الكثيرون أنها خط أحمر بالنسبة للسيد نصر الله؛ ولكن الأخير لم ير أن ضربة الضاحية مثلت اختراقاً للخط الأحمر الذي غالباً ما يتم الإشارة إليه تحت تهديدات خرقه سيؤدي لحرب وليس لمجرد “الرد بالمثل” أو بما “يناسب المثل”.
قصارى القول في هذا المجال أن كل الخطوط الحمر تم اختراقها من قبل الجميع، وبحق الجميع؛ ومع ذلك لم تقع الحرب؛ والسبب بسيط، وهو أولاً لأن أحداً من “أطراف الحارة” لا يريد لحرب غزة أن تصبح “حرب حارة الشرق الأوسط”؛ فالجميع يرى في حرب غزة أنها “حروبهم في غزة”، وليس في الحارة؛ ثانياً لأن واشنطن في كل مواقفها من حرب غزة ليست صادقة وليست جادة إلا في موقف واحد فقط وحصراً؛ ومفاده أنها لا تريد حرباً إقليمية، وأنها عازمة سياسياً وعسكرياً على منع توسع حرب غزة؛ وعلى منع تحول حرب غزة إلى”حرب حارة الشرق الأوسط”..