خاص الهديل…
كتب بسام عفيفي
أكثر ما يحتاجه لبنان واللبنانيون في هذه المرحلة، هو أن يساعدوا هم ذاتهم أنفسهم قبل أن يطلبوا من الآخرين أشقاء أو أصدقاء أن يساعدونهم!!
ومناسبة إطلاق هذا الكلام هو حدوث أكثر من أمر وموقف محير ولافت وغير منطقي تؤدي نتائجه إلى إصابة لبنان بأضرار غير قليلة؛ علماً أن السبب في حدوث ذلك ليس وجود خطأ من الآخرين تجاه لبنان؛ بل وجود سوء تصرف صادم يرتكبه لبنانيون من ذوي المسؤولية بحق لبنان وبحق مصالحه..
يمكن إدراج عشرات الأمثلة كدلائل على صحة أن اللبنانيين “يشترون الضرر لأنفسهم”، نتيجة ضعف انتمائهم لفكرة الدولة وللإيمان بأن مصالح الناس أولاً.
طبعاً المقصود هنا هو اللبناني الرسمي واللبناني الحزبي وحتى بعض الإعلام في بعض الأحيان.. وبلا شك هناك استثناءات حيث يوجد دائماً جهات رسمية وإعلامية تُحكم ضميرها الوطني وتحاول تصحيح الأخطاء.
لعل أبرز الأمثلة الدالة على أن اللبناني الرسمي؛ أو للدقة بعض لبنان الرسمي يضر بمصالح بلده؛ حيث أنه لسبب ما، يمنع يد الدولة اللبنانية من أن تلاقي في منتصف الطريق اليد الممدودة إليها كي تساعد لبنان؛ بل حتى يحاول هذا البعض إدارة الظهر لليد المعطاءة حتى لا تساعد البلد المحتاج لكل مساعدة في هذا الوقت الصعب؛ وهذا الواقع بالتحديد – هو ما يحصل – للغرابة -، مع ملف رغبة بغداد الصادقة والمملوءة بالشهامة للوقوف إلى جانب لبنان في ملف استراتيجي يتمثل بسد حاجاته الماسة بخصوص ملف الكهرباء..
لم يعد هناك حاجة لتكرار القصة المعروفة بخصوص كيف أن لبنان الرسمي، أو كيف أن جزء من لبنان الرسمي يعطل المرة تلو المرة، أن تفي الدولة بتعهداتها تجاه التزامات لبنان مع العراق الذي يقدم – بتوجيهات من رئيس الوزراء محمد الشياع السوداني – لبلد الأرز الضوء والنور والإمكانات التي تؤدي إلى منع انقطاع الكهرباء في لبنان.. وكل ذلك تقوم به العراق بتسهيلات كبيرة وملفتة؛ وأقل ما يقال فيها انها تجسد إرادة الخير العراقية نحو لبنان وإرادة صاحب القرار بإسم الشعب العراقي الرئيس السوداني..
وإذا كانت قصة كرم العراق – السوداني مع لبنان صارت معروفة وهي محل تقدير كبير من اللبنانيين على مختلف مشاربهم؛ فإن ما يتوجب التركيز عليه ضمن قصة العراق مع لبنان أو ضمن قصة كرم الشعب العراقي والرئيس السوداني مع لبنان، هو التالي:
أولاً- .. لأن الأمور وصلت للحظة حساسة فإنه بات يجب القول بصراحة أنه صار مطلوباً بإلحاح توخي الكثير من التنبه من قبل مسؤولين لبنانيين لديهم صلة بإدارة جوانب من العلاقة اللبنانية مع العراق.. فبلد الرافدين بالنهاية لن يكون ملكياً أكثر من الملك.. فالعراق بلا شك لديه روحية الأخوة النبيلة تجاه لبنان؛ والرئيس السوداني لديه بلا شك إرادة قوية ومحبة خاصة للبنان؛ وذلك لدرجة بات يمكن القول معها أن وجوده (أي السوداني) في سدة المسؤولية والحكم في العراق يشكل فرصة ثمينة واستراتيجية للبنان؛ بمثلما يشكل نافذة خير على بلده ولبلده.. وعليه فإن المطلوب من لبنان إبداء عناية إيجابية واستثنائية تجاه حفظ العلاقة مع العراق؛ والحرص عن قصد أو غير قصد على عدم خدشها وتعطيل سلاستها.
وسبب إدراج هذه الملاحظة هو أن ما يحدث من قبل لبنان لا يُظهر أن جميع مسؤوليه مدركون لأهمية ما يمكن تسميته بلحظة الخير العراقية الراهنة للبنان؛ وهؤلاء المسؤولون مقصرون في خدمة وحفظ مصالح لبنان الكبيرة مع العراق، ومقصرون في وعي ان العلاقة اللبنانية العراقية لديها فرصة التكامل على غير مستوى؛ وأن لبنان لديه مصلحة عظيمة في ذلك.
السؤال المحير هو لماذا يقصر بعض لبنان بحق مصالحه مع العراق؛ علماً أن كل اللبنانيين باتوا على يقين بأن العراق يفتح ذراعيه للبنان من باب أنه قادر على العطاء، ومن باب أنه يستجيب للأخوة بين البلدين..
ثانياً- لا يزال هناك فرصة لتصحيح ما يمكن حتى الآن تسميته بالتقصير الحاصل بمجال القيام بمهمة الحفاظ على رغبات العراق الخيرة بالتعاون مع لبنان، وبنية بغداد والرئيس السوداني بمساعدة لبنان أولاً؛ ومن ثم التطلع لبناء علاقات مصالح دولة مع دولة بين لبنان والعراق..
المطلوب تنفيذ اتفاقات لبنان الموقعة مع العراق والتي تم بحثها واستكمال بحثها خلال زيارة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة الناجحة لبغداد ولقائه بنظيره الرئيس السوداني؛ حيث رافقه فيها وزراء أجرَوا مع نظراتهم العراقيين مباحثات هامة؛ ورافقه أيضاً نائب مدير مديرية أمن الدولة العميد حسن شقير الذي يؤدي دوراً أقل ما يقال فيه انه يجسد بنجاح وبشفافية وبأمانة رغبة الدولة اللبنانية ممثلة برئيس الحكومة وكبار مرجعياتها بدفع العلاقات بين البلدين قدماً إلى الأمام.
الوقت حان الآن لتصحيح أخطاء التصرفات بحق النفس مع العراق.. هذه وصية الناس في لبنان لمسؤوليهم.. وهذه من جهة أخرى صوت الناس المرحب بعراق الخير والشاكر لرئيس وزراء حضارة ما بين النهرين الذي غمر لبنان بمواقف الشهامة العربية العراقية.. والحق يقال إن هذه مواقف ليست مستغربة من شخصية عراقية أصيلة..
وبقي من المهم القول إنه رغم أن المطلوب هو المزيد من الحرص في لبنان على صيانة العلاقة مع العراق والانطلاق بها إلى الأمام بدل وضع العصي اللامسؤولة في عجلاتها؛ إلا أنه على أرض الواقع المعاش واليومي، يمكن لأي متابع أن يلاحظ أن جوانب كثيرة من العلاقة المباشرة بين لبنان وحاجات المواطن العراقي في لبنان تقدمت وتطورت بإيجابية كبيرة؛ وتشهد هذه العلاقة تسهيلات كبيرة لصالح المواطن العراقي الموجود في بلده الثاني لبنان؛ وهذا الأمر إنما يعبر عن الحقيقة التي لا تنتهي وهي أن ما بين الشعبين اللبناني والعراقي أخوة تاريخية ومصيرية مستدامة على مر العصور واختلاف الظروف..