خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يمكن القول أن الولايات المتحدة الأميركية تنفذ حالياً في منطقة الشرق الأوسط أضخم مناورة سياسية ودبلوماسية في كل تاريخ علاقتها بالمنطقة. وهذه المناورة لديها أسباب مختلفة وكلها جوهرية وغاية في الأهمية. أول هذه الأسباب إدراك واشنطن بأنه في حال لم تتحرك بسرعة لإطفاء حريق غزة، فإن المنطقة ذاهبة للتفلت من عقال الضبط حيث أن حريق الشرق الأوسط هذه المرة، سوف يؤسس لبداية عصر الحرب الباردة وهو أمر آخر ما يرغبه العم السام..
ثاني الأسباب التي تدفع إدارة بايدن للقيام بأضخم المناورات السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، له علاقة بالإستجابة للمتغيرات والتحولات الكبرى التي تجري داخل الولايات المتحدة الأميركية، تجاه نظرة المجتمع الأميركي للقضية الفلسطينية، وإنقلابه على السردية الصهيونية التي سيطرت على العقل الأميركي، ولا تزال بنسبة غير قليلة، حتى الآن.
.. أمس حصل أمر لافت خلال خطاب بايدن أمام خمسين ألف مندوباً من الحزب الديموقراطي في مؤتمره الوطني في شيكاغو، ذلك أن بايدن لم يذكر ولو لمرة واحدة في خطابه، العبارة التي كانت لا تفارقه منذ كان عضواً في مجلس الشيوخ في مطلع شبابه، وهي تأييده لما يسميه بـ”حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”.. أكثر من ذلك، أيد بايدن في خطابه أمس المتظاهرين الأميركيين الذين يطالبون بوقف الحرب في غزة، ووصفهم بأنهم على حق، ولم ينعتهم كالعادة بأنهم معادون للسامية.. والمهم هنا هو ليس ما قاله بايدن وما هي دوافعه الخاصة، بل لماذا قال بايدن ذلك أو لم اضطر لقول ذلك.. بمعنى آخر ربما كان بايدن يقول هذا الكلام، لأنه يعرف أن تفكير بيئات واسعة في الحزب الديموقراطي وفي المجتمع الأميركي، تغير تجاه الموقف الشعبي والنخبوي الأميركي من مجازر إسرائيل، وعليه فهو خضع لهذا التغيير وإستجاب له بغض النظر عن قناعته أو عدم قناعته بارآئهم.
ما يهم العرب هو أن يروا أميركا تتغير لجهة نظرتها للقضية الفلسطنية، وأمس خطاب بايدن قد لا يعني بالضرورة أن بايدن تغير، ولكنه يظهر بالتأكيد أن الحزب الديموقراطي يتغير بنسبة غير قليلة، تجاه موضوع القضية الفلسطينية.
السؤال المطروح اليوم الى أين ستصل مناورة الولايات المتحدة الأميركية الأضخم بكل تاريخها في الشرق الأوسط، هل ستؤدي الى تسوية في غزة أم فقط الى إطفاء نار المجازر الإسرائيلية هناك لمدة 42 يوماً؟؟هل ستقود الى نقل الثقل العسكري الإسرائيلي من جنوب فلسطين الى شمال فلسطين مع لبنان، تمهيداً لجولة قتال أكبر مع لبنان هدفها دعم المناورة الدبلوماسية الأميركية الضخمة؟؟.
وضمن هذه الصورة، يوجد داخل المناورة الأميركية مشهداً مفتاحياً إسمه ملف فيلادليفا. هذا الملف هو معبر المناورة الدبلوماسية الأميركية للوصول إلى شيء ما في ملف غزة: ربما تسوية تجعل غزة تدير وجهها نحو كامب ديفيد بل أن تتطلع الى أوسلو الى الوحدة الجغرافية مع الضفة الغربية!! أو ربما تؤدي الى إطفاء حريق المجازر في غزة أقله لمدة 42 يوماً (المرحلة الأولى)!! أو ربما تؤدي الى جعل الإشتعال في لبنان يسلط الضوء على أن خلفية قضية غزة هي خلفية إقليمية وليس فلسطينية!!.