> “خطيفة” قاصر تنتهي بجريمة.. وعملية أمنية دقيقة توقف حمّام الدم!
منذ حوالي ثلاثة أشهر، بدأت قصة مليئة بالتوتر والخوف في بلدة بترونية هادئة تُعرف بـ”رأس نحاش”. خالد.ش، رجل ذو مكانة اجتماعيةٍ متواضعة في البلدة، وجد نفسه في موقف حَرِج عندما تقدّم شاب يُدعى إبراهيم.م (22 عامًا) لطلب يد ابنته القاصر، البالغة من العمر 13 عامًا. رغم رفض خالد للطلب، أصرَّ إبراهيم على اختطاف الفتاة، أو ما يُعرف بأخذها “شليفة”، مدفوعًا بعلاقة غرامية تربطه بها ورغبته في الزواج منها، في تحدٍّ صارخ لسلطة والدها، على حدّ اعتبار الأخير آنذاك.
ما بدأ كخلاف بسيط بين العائلات سرعان ما تحول إلى أزمة تهدد بتفجير نزاع دموي في البلدة، وفقًا لمصادر موقع “الملفات”. الفوضى وصلت إلى درجة تطلبت تدخل الوجهاء والشخصيات المؤثرة في المنطقة لتهدئة الوضع وتجنب إراقة الدماء. وسط هذا التوتر، برز دور غسان.م، عم إبراهيم وصديق خالد المقرب. وقف إلى جانب خالد وأقنعه بأنه سيتولى مهمة إعادة الفتاة إلى منزل أهلها، مشددًا على رفضه التام لمثل هذه التصرفات التي تتنافى مع قيمهم.
بعد مفاوضاتٍ طويلة، تمت المصالحة وتم عقد قران الفتاة على إبراهيم. لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد. خلال مأدبة غذاءٍ عائلية، كشف إبراهيم سرًا خطيرًا، بحسب معطيات “الملفات”: غسان هو من خطط وساعد في اختطاف الفتاة، حيث تولى عملية نقلها وتسليمها لإبراهيم من دون علم أحد. هذا الكشف أشعل غضب خالد، الذي شعر بالخيانة من صديقه المقرَّب، مما أدى إلى تصاعد التوتر بينهما، وتحول الأمر من مكالمة هاتفية إلى تلاسنٍ حاد وأحاديثٍ عالية السقف، لتبدأ بعدها التهديدات تتبادل بينه وبين غسان.
المواجهة أصبحت حتمية. ففي لحظةٍ من الغضب العارم وبعد تحدياتٍ متبادلة بين الطرفين، توجه غسان إلى منزل خالد، وأطلق النار على الأخير أمام عتبة منزله وقتله بدمٍ بارد. وبعد الجريمة، هرب غسان إلى الأحراش، تاركًا وراءه عائلةً مفجوعة تتعهد بالانتقام لدماء ابنهم مهما كان الثمن. والجدير بالذكر هنا أن غسان يُعد من أصحاب السوابق الجنائية؛ فالقاتل الذي أنهى حياة صديقه سبق أن قضى سنواتٍ في السجن بتهمة القتل، بحسب معلومات “الملفات”.
في ظل هذه الأزمة، عاشت البلدة على صفيح ساخن، مع تهديدات ووعود بالثأر وسفك المزيد من الدماء بين أبناء البلدة الواحدة. عائلة القاتل غادرت البلدة خوفًا من موجة جديدة من العنف، خاصة أن عائلة المغدور توعدت بقتل غسان أو أحد إخوته.
في هذه الأثناء، كانت الأجهزة الأمنية تراقب تحركات غسان، محاولين جاهدين تحديد مكانه في الأحراش الوعرة التي يعرفها ككف يده. لكن كل المحاولات باءت بالفشل، إذ كان غسان على دراية تامة بتضاريس المنطقة، مما جعل القبض عليه صعبًا للغاية. فالمطلوب هنا ليس أي شخص عادي، ولا هو طُعمٌ سهل الانقضاض عليه.
أما مكتب أمن الدولة في طرابلس والذي كان على علم بالخطر الذي يمثله غسان قرر العمل بطريقة مغايرة تماما عن باقي الأجهزة. الخطة وضعت باحكام وحان وقت التحرك، ومن أبرز نقاطها إيجاد طريقة للوصول إلى غسان بطريقه ما، إما عن طريق احد اقرباءه او معارفه واقناعه بتسليم نفسه .
وبالفعل تمكن عناصر النخبة في طرابلس من إيجاد شخص موثوق يستطيع تنفيذ المهمة التي كانت قيد متابعة دقيقة من أمن الدولة، وبالتعاون مع هذا المصدر السري، حاولوا إقناعه بتسليم نفسه لتجنب مواجهة دموية مع القوى الأمنية، التي كانت تعلم أن المواجهة المسلحة معه قد تنتهي بوفاته.
وبعد عشرة أيام من المفاوضات الدقيقة، وافق غسان على تسليم نفسه. ورغم الاتفاق، لم تكن عملية التسليم سهلة. تم التخطيط لها بدقة فائقة، حيث نصب رجال أمن الدولة كمينًا محكمًا في وادٍ منعزل عند الغروب، لتجنب أي محاولة غدر من غسان بأي لحظة. وبعد مراقبة دقيقة وحماية أمنية مشددة، تم القبض على غسان ونقله سرًا إلى التحقيق، لتجنب أي كمين قد يعترض طريقهم من قبل عائلة المغدور التي كانت تتعطش للثأر.
وبحسب معلومات الملفات، يتبين أن غسان كان يعيش تحت ضغط نفسي ومعيشي صعب وقد تم استثمار هذا الوضع من قبل مفاوضي أمن الدولة واقناعه أنه تحت الحصار التام ولن يخرج من الاحراش الا مقتولا او تنهشه الحيوانات المفترسة او تسليم نفسه، وقد علمت الملفات من مصادر عالمة بحيثيات هذه القضية أن غسان هاجمته الضباع أثناء تواريه واستطاع قتل اثنان منها.
هذه العملية الأمنية المحترفة، التي نفذها مكتب أمن الدولة في طرابلس، كانت حاسمة في نزع فتيل الفتنة من منطقة كانت على وشك الانفجار. اعتقال غسان جلب راحة كبيرة للبلدة وأعاد الهدوء بعد أسابيع وأشهر من التوتر والخوف