خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
منذ بداية حرب طوفان الأقصى كشف جدعون ساعر “أن قطاع غزة يجب أن تكون مساحته أصغر بعد نهاية الحرب”؛ بمعنى أنه يجب احتلال أجزاء منه والتمركز بأجزاء أخرى، الخ..
أهمية كلام ساعر يتأتى من كونه ينتمي لمعسكر اليمين السياسي وليس اليمين الديني؛ وعليه فإن كلامه ليس ايديولوجياً بل ينتمي للمدرسة التي تعتبر نفسها أنها واقعية داخل الخارطة السياسية الإسرائيلية.. وبالأساس فإن ساعر هو صاحب نظرية أنه يجب على إسرائيل أن تقوم بتدفيع “العدو ثمناً جغرافياً في كل مرة تنشب فيها حرب معه”؛ أي أن ساعر يريد إحياء نظريات احتلال المزيد من الأراضي، وليس الاحتفاظ فقط بالأراضي التي تحتلها وعدم الانسحاب منها و”مقايضتها بالسلام”.
والواقع أن أبرز مشكلة تواجه في هذه اللحظات مفاوضات الدوحة والقاهرة من أجل إنتاج وقف للنار في غزة وإبرام صفقة الأسرى، تقع في أن الذهنية الإسرائيلية السياسية لا تزال تعتقد أنها لا تزال قادرة أن تفرض على الفلسطينيين وعلى أكبر دولة عربية (القاهرة) منطق الأراضي لإسرائيل مقابل الأمن للعرب وليس العكس (أي الأمن لإسرائيل مقابل استعادة العرب لأراضيهم). ومن هنا يقول نتنياهو اليوم أنه لن ينسحب من محور فيلادلفيا؛ وهو بالواقع يقول إنه قرر العودة لاحتلال فيلادلفيا؛ وأنه قرر الانقلاب على المبدأ الذي وجه عملية كامب ديفيد التي انتهت بتطبيق نظرية السلام والتطبيع المصري مع إسرائيل مقابل موافقة الأخيرة على الانسحاب من أراضي مصر المحتلة.
حالياً نتنياهو من خلال موقفه الرافض للانسحاب من فيلادلفيا يقول إن اتفاق كامب ديفيد لم يعد يلبي احتياجات الأمن الإسرائيلية الإستراتيجية الجديدة؛ تماماً كما أن إصراره على البقاء في نتساريم يكشف أن نتنياهو لا يزال عند موقفه غير المؤيد لاتفاق أوسلو؛ مع إضافة أنه هذه المرة قرر إسقاطه وأيضاً إسقاط بعض مضامين اتفاق كامب ديفيد.
.. وكي تصبح هذه الجزئية أوضح؛ يجدر الإشارة إلى أن نتنياهو عندما وصل لرئاسة الحكومة لأول مرة؛ قال علناً انه ليس مع اتفاق أوسلو، ولكنه لن يقدم على إلغائه، بل سيكتفي بعدم تنفيذه؛ ولكنه حالياً يأخذ من حدث طوفان الأقصى حجة ليقول إنه ليس فقط لن ينفذ اتفاق أوسلو، بل سيدمره وسيعيد احتلال إسرائيل للضفة الغربية..
وبخصوص غزة يريد نتنياهو العودة بالقطاع إلى لحظة ما قبل انسحاب أرييل شارون منه؛ أي إلى اللحظات التي ظن فيها كل من شارون ورابين أنهما يستطيعان سحق غزة؛ وذلك قبل أن يكتشفا أن أفضل طريقة للتعامل مع غزة هو الانسحاب منها.
نتنياهو لا يزال موجوداً الآن داخل مربع الاعتقاد بأنه يمكن سحق غزة؛ وهذه المرة ليس عن طريق القتل والإعتقالات العشوائية والتصفيات الجسدية؛ بل أيضاً عن طريق إنهاء كل مصادر الحياة في غزة: البيوت والمياه والمستشفيات والمدارس، الخ..
وبنظر نتنياهو فإن الحرب ستنتهي في غزة بعد الوصول إلى ثلاثة توقيتات جديدة:
أولها إنهاء عملية تدمير غزة؛ بحيث لا يعود فيها أي مرفق يقدم أي نوع من الحياة فيها. عندها نتنياهو سيوقف إطلاق النار في غزة وليس وقف الحرب على غزة التي ستستمر لسنوات طويلة بوتيرة منخفضة حينا وعالية حينا وبهدن ميدانية أحياناً ثالثة. والهدف من هذه الحرب على غزة هو “إعدام غزة” الشروع بعملية “دفنها وهي حية..”.
والواقع أن هذه “الاستراتيجية البيبية” (نسبة لنتنياهو) المؤيدة من جهات عديدة في إسرائيل لا تنطوي فقط على جريمة حرب وإبادة بل تنطوي على غباء استراتيجي مرده مجرد التفكير أنه يوجد بالإمكان قتل الأمكنة والأرض، الخ..
التوقيت الثاني الذي سيوقف فيه نتنياهو إطلاق النار وليس الحرب على غزة، سيكون حينما يبدأ الهجوم العسكري الشامل على شمال الضفة الغربية بغرض تهجيرها إلى قسمها الثاني، وتغيير قواعد الاشتباك مع عمان على الحدود الأردنية، تماماً كما يقوم نتنياهو اليوم بتغيير قواعد الاشتباك مع المصريين على الحدود معها عند نقطة معبر رفح ومحور فيلادلفيا.
والواقع ان حرب نتنياهو على غزة هدفها قتل وإعدام غزة؛ وجعل عنوان اليوم التالي في غزة، هو عدم القدرة على الحياة في غزة.
.. أما حرب نتنياهو على الضفة الغربية فعنوانها “إنجاز الإستقلال الثاني؛ أي استكمال مهمة الإستقلال الأول”؛ بمعنى استبدال فلسطيني الضفة بمستوطنين يهود.
التوقيت الثالث الذي يوقف فيه نتنياهو إطلاق النار في غزة هو عندما يصل ترامب إلى البيت الأبيض؛ وحينها سيبدأ نتنياهو بصحبة ترامب رحلة تطبيق النتائج السياسية لتدمير غزة وللعدوان على شمال الضفة الغربية.