خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
بعد مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة وبعد خروج ربع مليون إسرائيلي مطالبين بإبرام صفقة؛ اضطر بنيامين نتنياهو للخروج بنفسه ليلقي إحاطة عن الوضع السياسي والعسكري وشرح لماذا لا يريد إبرام صفقة كما يطالبه بذلك الجيش والشاباك والموساد والهستدروت (نقابات العمال)، الخ..
النقطة الأكثر وضوحاً والأكثر غموضاً في وقت واحد في إحاطة نتنياهو أمس هي تلك التي أجاب فيها على ما بات يمكن تسميته “بالسؤال الخالد” أو “السؤال اللغز” الذي يطرحه كل العالم، ومفاده ما هو الهدف الحقيقي لنتنياهو من إطالة الحرب(؟؟) وماذا ينتظر نتنياهو حتى يقرر وقف الحرب على غزة(؟؟).
أجاب نتنياهو أمس على هذا السؤال قائلاً جملته الأكثر وضوحاً وغموضاً في آن معاً، وهي: “تعريفي لنهاية الحرب في غزة هو عندما تنتهي سلطة حماس في قطاع غزة..”.
مصدر الوضوح في جملة نتنياهو هذه، يتمثل بأنه لأول مرة يتخلى عن الهدف السوريالي الذي دأب على تكراره وهو “تحقيق النصر المطلق”؛ علماً أن جنرالات الجيش الإسرائيلي والسياسيين غير اليمينيين المتطرفين طالما وصفوا “هدف النصر المطلق” بأنه أقرب إلى الشعر والشعار الانتخابي؛ ولا يمت بصلة إلى الهدف الاستراتيجي العسكري القابل للتحقق.. فللمرة الأولى يقول نتنياهو أمس بما معناه أنه سنكتفي بالقضاء على” سلطة حماس” في غزة؛ ولأول مرة يعترف ولو ضمناً وتلميحاً بأن القضاء على حماس عسكرياً ووجودياً هو أمر مستحيل، ولا يمكن لأي سياسي أو عسكري عاقل أن يضعه هدفاً يسعى لنيله.
.. ومن بين حطام ارتفاع نبرة صوت نتنياهو أمس بخصوص أنه لن يتنازل؛ وبخصوص أنه يصحح تاريخ أخطاء شارون الاستراتيجية في غزة، وأنه يميز نفسه كزعيم حتى عن مكانة إسحق رابين في مقاربة ملف غزة؛ إلا أنه ضمنياً – أي نتنياهو – عاد إلى المربع الواقعي الذي وقف فيه رابين وشارون عندما قررا الابتعاد عن نار غزة؛ وهو المربع الذي يعترف فيه المحتل بالواقع الصعب وجوهره أن دروس التاريخ تقول إنه لا يمكن القضاء على مقاومة شعب إلا بوسيلة واحدة، وهي إنهاء الاحتلال..
أما مصدر غموض عبارة نتنياهو عن تعريفه لمتى سينهي حرب غزة، فهو يقع في أنه لم يقل كيف سيقضي على سلطة حماس في غزة، وما هو بديله لسلطة حماس في غزة(؟؟)؛ هل سينتخب بدلاً عن شعب غزة؛ أم أنه يريد إحتلال غزة على نحو مستديم، وهو أمر لا أحد في العالم يريده؛ ولا يوجد جندياً واحداً داخل الجيش الإسرائيلي يقبل به..
.. أضف لذلك أن هناك نقطة أخرى تثير المزيد من الغموض في “جملة نتنياهو الواضحة – الغامضة”، ومضمونها يمكن إدراكه من خلال طرح السؤال التالي: كيف يدعو نتنياهو حماس للتفاوض معها على إطلاق الأسرى ومستقبل اليوم التالي في غزة، وبنفس الوقت يضع شرطاً مسبقاً لوقف الحرب هو إنهاء حماس وسلطتها في غزة؟؟.
يبدو نتنياهو في هذا المطلب وفي كلامه بنفس السياق عن التفاوض، أشبه بساحر فقد أدوات لعبته؛ وهو أصبح كمن يريد “تربيع الدوائر”؛ وهذا أمر ليس فقط مستحيلاً بل أيضاً يعتبر دعوة صريحة لاستمرار الحرب.