خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يبدو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حريصاً على تنظيم احتفال يوم ٧ أكتوبر، يوحي بأن إسرائيل بعد عام من الصمود وراء نهجه وأفكاره ومواجهات مع بايدن ومعارضيه، تمكنت – أي إسرائيل – ليس من استعادة الأسرى لدى حماس، وليس من اجتثاث حماس؛ بل تمكنت – ودائماً بحسب نتنياهو – من تحقيق ما هو أهم من كل هذه الأهداف، وهو هدف استعادة المبادرة العسكرية مع أذرع إيران من جهة؛ واستعادة من جهة ثانية – وهو الهدف الأكثر أهمية – صورة الردع الاستراتيجي في المنطقة.
أول أمس تحدث رئيس الوزراء البريطاني ستارمر عن الوضع في المنطقة وعن دعم لندن المستمر لإسرائيل؛ ولكن ستارمر كان يلاحظ في كلامه ضرورة وقف النار في غزة وفي لبنان، غير أنه، وعلى نحو غير مباشر، عزا فشل تحقيق ذلك إلى وجود طريقة تفكير لدى نتنياهو كشف عنها ستارمر باقتضاب ومن دون تعليق عليها، وذلك حينما قال بالحرف في نهاية تصريحه: “إنهم في إسرائيل يتحدثون عن الردع”.
يقدم تعليق ستارمر بالإضافة لتصريحات وسلوك نتنياهو، صورة تشي بأن نتنياهو يريد تطويع المنطقة من خلال أمرين إثنين: الأول يتمثل بتنفيذ حملة إظهار قوة عسكرية استراتيجية مجالها كل ساحة الشرق الأوسط، وأداتها امتلاك إسرائيل أسراب طائرات اف ٣٥ السابقة تكنولوجيا لعصرها، وقنابل استراتيجية الوزن قادرة على تدمير المنطقة؛ والثاني إشعار كل شيء يتنفس في الشرق الأوسط بأن الموساد هي قوة قادرة على مراقبة وكتم أنفاسه، وأن لديها صفات القدر الذي يستطيع وضع حد لحياة أي شخص في المنطقة وحتى لو كان في بروج مشيدة..
وضمن هذا التوجه لمفهوم الردع لدى نتنياهو يحاول السلوك الإسرائيلي الإيحاء بأن على الشرق الأوسط أن ينظر لإسرائيل بوصفها “إمبراطورية طغيان ال اف ٣٥ واقتدار الموساد”!!
خطة نتنياهو هذه هي التي تسبب لإسرائيل العقم الاستراتيجي الغارقة به حالياً والذي تتمثل سماته الأساسية بالتالي؛ وذلك كما يتحدث عنها خبراء عسكريون داخل إسرائيل وخارجها:
السمة الأولى هو ما يطلق عليه جنرلات في الكيان بـ “تآكل الإنجازات العسكرية التكتية” التي يحققها الجيش الإسرائيلي، كون نتنياهو لا يضع لهذه الإنجازات هدفاً سياسياً قابلاً للتحقق.
.. مثلاً هدف “النصر المطلق” في غزة، وهدف احتلال جنوب لبنان، وهدف استعادة الردع في الشرق الأوسط؛ كلها أهداف غير قابلة للتحقق؛ وبالتالي تؤدي هذه الأهداف غير المقدور على تنفيذها إلى جعل الجيش – كما يقول جنرالات في الكيان – لا يجد هدفاً سياسياً واقعياً يكلل به الإنجازات العسكرية والأمنية التي يحققها، ما يؤدي إلى تبدد هذه الإنجازات وعدم تحولها إلى نصر بالمعنى السياسي. وهذا الوضع يطلق عليه جنرالات في الكيان مصطلح “تآكل الإنجازات التكتيكية العسكرية والأمنية”؛ ويقولون إن السبب وراء ذلك يقع في أن نتنياهو لا يحدد هدفاً سياسياً واقعياً لنهاية حربه.
لقد ناقش خبراء إسرائيليون كثيراً مفهوم “النصر المطلق” الذي طرحه نتنياهو بشأن كيف يرى نهاية الحرب في غزة.. وخلص النقاش إلى أن هذا المفهوم لا يمثل هدفاً عسكرياً ولا استراتيجية عسكرية، بل هو يصلح لأن يكون شعاراً سياسياً في حملة انتخابية. ورأى هؤلاء أن المطلوب وضع هدف سياسي يناسب الجهد العسكري الممكن، حتى يمكن الوصول إلى لحظة تحقيق المهمة السياسية عبر حصد الهدف العسكري.
ثانياً- بخصوص الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان فإن نتنياهو يريد من التوغل البري أن يطير من خلاله رسالة لمنطقة الشرق الأوسط مفادها أن إسرائيل استعادت صورة الردع الإقليمي.
لجنة القاضي فينوغراد التي رفعت توصياتها بشأن العبر المستخلصة من حرب لبنان الثانية عام ٢٠٠٦، أوصت بحزم بأن على الجيش الإلتزام في أية حرب مقبلة بعدم التوغل البري في لبنان تحت أي ظرف..
والواقع أن نتنياهو بقراره بدء عملية توغل بري على الحدود مع لبنان؛ إنما بذلك يتمرد على توصيات لجنة فينوغراد التي يفترض أنها ملزمة؛ وتبرير نتنياهو لتصرفه هذا أنه يريد استعادة صورة الردع الإقليمي. وكان واضحاً توجه نتنياهو على هذا الصعيد وذلك حينما علق على هجوم إيران الصاروخي الأخير بأن الجيش سيرد في كل منطقة الشرق الأوسط في وقت واحد.
واضح أن نتنياهو يريد الحرب مع الجبهات السبع – حسب توصيفه – دفعة واحدة، ويريد الانتصار عليها جميعها من خلال تدميرها متوسلاً ذلك من خلال قدرات اف ٣٥؛ ويريد الخروج من حرب الجبهات السبع وقد أصبحت إسرائيل جغرافياً أكبر مساحة (ضم أجزاء من غزة وأجزاء من جنوب لبنان)؛ وأيضاً يريد أن يكون آخر هدف في هذه الحرب هو حصد صورة انتصار إسرائيل الإقليمي من خلال إعطائه الفرصة الأميركية لضرب إيران.
الواقع أن نتنياهو مستغرقاً في هذه اللحظات بالرغبة بتحقيق هذه الأهداف التي يعتقد الكثيرون في إسرائيل أنها غير واقعية. ولكن في هذه اللحظة التي أعقبت نجاحات إسرائيل الأمنية ضد حزب الله؛ تبرز ظاهرة في إسرائيل ينخرط فيها كل البيئات السياسية هناك من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين؛ ومضمون هذه الظاهرة أن أطرافها يقولون: دعوه – أي نتنياهو – يجرب ويذهب لخيار بناء إمبراطوية إسرائيل؛ فلو ربح ستفوز إسرائيل؛ وفي حال خسر سيخسر نتنياهو!!