المصدر اللواء-
مع تواصل العدوان الاسرائيلي على لبنان، أجمع المسؤولون الرسميوّن اللبنانيون على المطالبة بتطبيق القرار الاممي ١٧٠١، ومن أجل الدقة في الكلام كان الاجماع على تعهّد «لبنان الرسمي» بتطبيق هذا القرار كمدخل لوقف اطلاق النار، في حين أبقى «لبنان غير الرسمي» بلسان الامين العام الجديد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على معادلة «القرار للميدان» مفوّضاً شقّ المفاوضات السياسية الى «الاخ الاكبر الرئيس نبيه بري».
استغرق الامر المسؤولين في لبنان أكثر من ثمانية عشر عاماً حتى يقتنعوا بضرورة تطبيق القرار ١٧٠١، الاّ أن تطوّر الاحداث ونجاح آلة القتل والدمار الاسرائيلية في غزة وفي لبنان فرض البحث بإدخال تعديلات على هذا القرار الذي يبدو أنه، وعلى الرغم من دخوله عامه الثامن عشر، سيبقى قاصراً عن معالجة وقف اطلاق النار رغم تعهّد «لبنان الرسمي» بنشر الجيش اللبناني بشكلٍ أكثر فعالية جنوب الليطاني وعلى طول الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الواقع لا يأتي تعامل الدولة اللبنانية مع القرار ١٧٠١ منذ صدوره وحتى اليوم، خارج سياق تعاملها مع مرتكزات اتفاق الطائف ومبادئه العامة.
فرغم مرور أكثر من ٣٥ عاماً على اقراره واعتماده كدستور للبنان، بقيت الهوية العربية للبنان ممزّقة وتحتاج لترميمها، وميثاق العيش المشترك أصبح ذريعةً لتعطيل كل الاستحقاقات بدل أن يكون ركيزةً لإتمامها، أما شرعية السلطة فأصبحت تحتاج لاعتراف كل ما هو غير شرعي بها حتى يكون لها اعتبار، هذا عداك عن الشلل الذي أصاب المرتكزات الاقتصادية والاجتماعية والانمائية التي كرّسها الدستور كحقوق للبنانيين.
وفي وقت أن مسألة التوطين، التي نصّ الدستور على رفضها، طغى عليها نزوح ملايين السوريين منذ العام ٢٠١١ وحتى اليوم بعضهم بفعل الحرب التي كانت دائرة في سوريا وبعضهم على شكل نزوح اقتصادي أملاً في تحسين مستويات العيش، أتى نزوح اكثر من مليون ونصف مليون لبناني أجبروا على ترك قراهم ومدنهم ومنازلهم تحت وطأة تهديدات العدو الاسرائيلي وعدوانه المستمر، ليُفاقم من تبعات اللجوء والنزوح التي يُعاني منها لبنان أصلاً.
هذا في الطائف، أما في ال ١٧٠١ فلا تبدو ارباكات السلطة اللبنانية والتحديات التي تواجهها أقلّ خطورةً، فإذا كان ثمة شبه اجماع رسمي داخلي على اعتبار أن النقاش يتناول تطبيق ال ١٧٠١ «سادة» بمعنى التعاطي مع هذا القرار بمعزل عن القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠ رغم الاشارة اليهما في متنه، فإن هذا التغاضي الرسمي اللبناني لا يبدو أنه يُجاري مسار المداولات الأممية والدولية التي تُشير الى أن ما هو مطلوب اليوم لم يعُد يقتصر على تطبيق القرار ١٧٠١ بل البحث بتعديله ليُصبح ١٧٠١ «اكسترا» ، في حين أن المسودّة الاسرائيلية التي تم تسريبها قبل حوالي الاسبوع تكشف نوايا العدوّ الاسرائيلي الراغب بفرض اطار دولي تحت النار يُعطيه الحق بانتهاك السيادة اللبنانية ساعة يشاء، ما يفضح عدم جديّته في البحث بحلول ديبلوماسية مقبولة، من أجل التمادي أكثر فأكثر في عدوانه على لبنان، تماماً مثلما فعل في حربه على غزة المستمرة منذ أكثر من سنة.
وأمام المخاطر المتقدّمة يُصبح التعاطي مع القرار ١٧٠١ مثلما تم التعاطي فيه مع اتفاق الطائف على طريقة «عماء الألوان» من أجل اعطائه الصبغة التي يُريدها القوي على حساب الصيغة التي تحمي المساواة بين الجميع على أساس مبدأ الحقوق وليس مبدأ القوة والغلبة، أو التعاطي معه على طريقة « menu a la carte» اي نطبّق منه ما نشاء ونرفص تطبيق ما لا نريده، مغامرةً غير محسوبة، لأن الوقت لا يبدو في مصلحة لبنان، فالرهان على شراء الوقت قد يكون ثمنه باهظاً وقد لا يقوى لبنان واللبنانيون على تسديده، فالوقت بمعنى «طول أمد الحرب» أصبح سلعةً يحاول كلّ من العدو الاسرائيلي وايران الاستئثار بها أو حتى تشاركها، خاصة بعد اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية وفوز الرئيس دونالد ترامب فيها والهدايا الموعودة له من نتنياهو الذي يبدو، من لحظة اقالته لوزير دفاعه يوآف غالانت وحتى استلام الرئيس ترامب السلطة في الولايات المتحدة، قد أصبح متحكماً بمفرده بمدى هذه الحرب و «بلحظة وقف اطلاق النار» المؤجلة على ما يبدو الى أجل غير مسمى حتى الآن.
في ضوء ما تقدّم من معطيات، يتبدى ان المطلوب اليوم لإرغام الاسرائيلي على وقف الحرب ليس مجرّد تعهّد أو إلتزام «رسمي» لفظي بتطبيق القرار ١٧٠١، بل المطلوب هو «قدرة فعلية على التطبيق» وتحديد ما هو المقصود بهذا التطبيق وآلياته، وأن تأتي القراءة اللبنانية لهذا القرار متوافقة مع القراءة الاممية والدولية والعربية له وتحت سقف السيادة اللبنانية ومظلّة الشرعية التي نصّ الطائف عليها، من أجل عزل الموقف الاسرائيلي ومسودّاته السوداوية، طالما أنه أصبح معلوماً ان الأثمان التي يطلبها العدو من خلال هذه الحرب تتجاوز لبنان وموقفه «الرسمي» وقُدرة اللبنانيين ومقدّراتهم وربّما أقدارهم.
راجح-