خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
لم يكن المواطن الأميركي من أصل لبناني حسن عباس المقيم في ولاية ميشيغن ولديه مطعم شهير في مدينة ديربرون ينوي – كما قال – التدخل بالسياسة، لو أنه لم يتحرق حسرة نتيجة أن إسرائيل تذبح أقارباً له في لبنان، وتدمر قرى بلده الأول وبلداته؛ وأيضاً لو أن حسن عباس رأى أن هناك أفقاً لوقف هذا الأمر، أو سعياً من دولة لبنان يعتد به قد يسفر عن وقف للنار الإسرائيلي ضد بلد الأرز.
الحق يقال إن حسن عباس الذي يعترف بأنه عديم الخبرة بالسياسة، أحسن التفاوض مع ترامب الرئيس الأميركي الأصعب مراساً؛ فالمواطن الصالح حسن عباس عندما تواصل معه مساعدو ترامب كي يستقبل الأخير في مطعمه، حتى يمكنه التقرب من أبناء الجالية اللبنانية المقيمين في ولاية ميشيغن المتأرجحة، أصر (أي حسن عباس) على الحصول على ضمانات وتعهدات مسبقة من ترامب كشرط لموافقته على استقباله في مطعمه.. والتعهد الأساسي الذي طلبه هو أن يعد ترامب الجالية اللبنانية وجاليات ميشيغن العربية والإسلامية، بشكل مسبق، وقبل أن تخط قدماه عتبة مطعمه، بأنه سيوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان في حال فاز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية..
.. وفقط بعد أن ضمن حسن عباس بأن ترامب وافق على شرطه؛ وبعد أن قرأ بعينيه تغريدة على منصة اكس موقعة من ترامب جاء فيها انه سيبادر إلى وقف حرب لبنان فور وصوله للبيت الأبيض؛ فتح (أي حسن عباس) مطعمه أمام ترامب الذي جاء في مهمة ليست قليلة؛ وهي جعل جاليات ميشيغن يتحولون لأول مرة من تأييد الحزب الديموقراطي إلى تأييد الحزب الجمهوري ومن تأييد مرشحة بايدن إلى تأييد ترامب تحديداً.
الآن أصبح لبنان لديه لأول مرة ورقة إسمها اتفاق مطعم حسن عباس مع ترامب؛ وبموجبها يتعهد الرئيس الأميركي الأقوى بالعمل على وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان فور دخوله البيت الابيض.
.. هناك مساحة للتفكير بكيفية البناء على “إنجاز” حسن عباس والوعد الذي قطعه له ترامب.. أمس مثلاً ذكّر الرئيس بري في حديث صحفي الرئيس المنتخب ترامب بوعده لحسن عباس.. لم نسمع بعد تعليق وزير الخارجية أبو حبيب على الأمر؛ ولكن ربما تخطر له فكرة أن يضيف “وعد ترامب لعباس”؛ إلى مندرجات القرار ١٧٠١؛ بحيث يصبح بإمكانه القول أمام الأمم المتحدة ان القرار ١٧٠١ يتضمن تنفيذ القرار ١٥٥٩ وأيضاً اتفاق حسن عباس وترامب (مع حفظ الألقاب).
يجدر في حكاية “عباس وترامب” التوقف أمام أمر لافت وبارز ويدعو للتأمل طويل؛ ومفاده أن المواطن الأميركي من أصل لبناني حسن عباس لم يطلب من ترامب شيئاً لنفسه؛ بل كل ما طلبه حينما نزلت عليه “ليلة القدر السياسية” حيث شاهد ترامب “بشحمه ولحمه” يزوره ويقول له “شبيك لبيك إطلب ما تريد”؛ هو أنه (أي حسن عباس) قال له كل ما أريده هو فقط السلام لبلدي الأول لبنان، وكل ما أطلبه حصراً هو وقف الحرب عليه..
.. طبعاً كان يمكن لحسن عباس أن يطلب الكثير الكثير لنفسه؛ لكنه لم يفعل؛ كان يمكنه أن يخلو لنفسه وأن تلمع عيناه حينما عرضت عليه فكرة إسداء خدمة انتخابية لترامب؛ وأن يقرر أن الصفقة أتت إليه على رجليها؛ وأن الحظ الجميل يضعه وجهاً لوجه أمام ترامب رجل الصفقات التجارية الرابحة؛ وأن يحدث نفسه على طريقة ما هو شائع ومعهود لدى سياسي لبنان؛ متسائلاً لماذا لا أعقد معه صفقة شخصية رابحة(؟؟!).. لكن حسن عباس لم يفعل ذلك؛ ولم يخلو لنفسه على طريقة سياسي لبنان ليقتنص العرض الثمين، ويفكر بعقد صفقة شخصية مع ترامب.
لنحاول قلب الصورة، وذلك على نحو يظهر أن صاحب مطعم حسن عباس في ديربرون هو سياسي من لبنان؛ لا فرق ما إذا كان هذا السياسي من معسكر ١٤ آذار السيادي أو ٨ آذار الممانع؛ المهم هنا هو أن هذا السياسي لبناني ومن لبنان، وأن الظرف جعله فجأة يجد نفسه أنه أمام فرصة أن ترامب يحتاجه ويريد رضاه؛ فهل كان هذا السياسي من لبنان بغض النظر عن المعسكر المتخندق فيه (السيادي أو الممانع) سيقوم بعقد اتفاق مع ترامب من أجل لبنان ومن أجل وقف الحرب ضد لبنان وحماية اللبنانيين؛ أم أنه كان سيعقد صفقة شخصية مع ترامب من أجل دوام سلطته، وسيطلب منه ضمانات لحماية مصالحه وثروته في المصارف الغربية، وأيضاً تعهداً بأن يحمي انتقال الزعامة منه إلى عائلته من بعده، الخ..
واقعة “اتفاق ترامب – الموطن عباس” تنتمي لمدرسة سياسية ودبلوماسية وأخلاقية غير متوفرة لدى الدولة اللبنانية ولدى الحكومة اللبنانية؛ وذلك ليس فقط لأن ترامب لا يلتفت إلى دولة لبنان؛ بل بالأساس لأن ممثلي دولة لبنان وسياسي لبنان في حال قابلهم ترامب سيقولون له ما يريدونه لأنفسهم؛ وليس ما يريده البلد من رئيس الولايات المتحدة الأميركية؛ وسوف يطلبون منه عقد صفقة مع مصالحهم وليس عقد صفقة من أجل مصالح البلد..
وبمثلما أن أبناء البقاع والجنوب والضاحية هم نازحون في مدارس ومنازل لبنان، فإن الدولة والحكومة نازحة في مطعم حسن عباس في ديربرون – ميشيغن. والدولة والحكومة النازحة هناك هي ليست ذاتها الدولة والحكومة المقيمة عندنا هنا في بيروت؛ فهناك يوجد المواطن حسن عباس الذي لا يريد شيئاً لنفسه، بل ما يطلبه هو لأهله في لبنان ولبلده؛ أما هنا في بيروت فإنه يوجد سياسيو لبنان وأحزاب لبنان الذين يريدون كل شيء لأنفسهم ولمصلحة تعاظم أرصدتهم في مصارف الخارج ولصالح بقاء استمرار سلطة الفساد في عائلاتهم، الخ..