خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يجب على المراقب أن يصدق أمراً صعباً ومعقداً حتى يصدق أن الحل سيأتي على يدي زيارة هوكشتاين المنتظرة هذا الأسبوع:
وهذا الأمر الذي يصعب تصديقه مفاده أن بنيامين نتنياهو لا يناور؛ وأنه هذه المرة صادق بالسعي إلى حل وسط أو حتى الى حل لا يتجاوز الحد الأدنى الذي يرفضه لبنان؛ أي رفض إعطاء إسرائيل حق التدخل عسكرياً متى تريد في لبنان، الخ..
“.. من جرب مجرب كان عقله مخرباً”؛ هذا المثل الشعبي له تطبيقاته المنطقية حينما يكون الموضوع هو التفاوض مع نتنياهو الذي على مدار الحرب المستمرة منذ ٧ أكتوبر العام الماضي، امتاز بأنه يجيد لعبة المكر التي بموجبها يقوم في صباح هذا اليوم بنفي ما كان قاله ووافق عليه ليل أمس.
لقد مارس نتنياهو هذا السلوك مرات كثيرة خلال التفاوض معه بشأن إبرام صفقة تبادل الأسرى في غزة؛ حيث كان يوافق على المقترح ثم يرفضه بعد أن توافق عليه حماس؛ وفي خلال إحدى جولات التفاوض صاغ نتنياهو بنفسه مقترحاً للحل وقام وزير الخارجية الأميركي بلينكن بتقديمه للدوحة التي حصلت على موافقة من حماس عليه؛ ثم عرض الرئيس بايدن المقترح الإسرائيلي الموافق عليه من حماس بوصفه مقترحه الشخصي؛ ولكن نتنياهو رفضه!!
اليوم يحق للبنان أن يخشى تكرار نفس الواقعة خاصة وأن سيناريو هوكشتاين الحالي يشبه ذاك السيناريو الذي قام خلاله نتنياهو على نحو سوريالي برفض مقترح وقف النار في غزة الذي كان هو نفسه صاغه.
.. وحتى يتم إنعاش الذاكرة بخصوص هذه النقطة، يجدر إيضاح أن المقترح الذي حملته السفيرة الأميركية ليزا جونسون إلى الرئيس نبيه بري صاغه بالتشارك مع إدارة بايدن وموافقة الرئيس الأميركي المنتخب، الوزير الإسرائيلي الأكثر قرباً لنتنياهو رون دريرمر؛ أي أن هذا المقترح هو إسرائيلي مدعوم من كل أميركا بإدارتيها الذاهبة والقادمة..
وعليه فإن هوكشتاين قادم لأخذ موافقة لبنان على هذا المقترح؛ أو بأبعد حد هو قادم ليناقش أسئلة واستفسارات لبنانية حول بنود في المقترح، وليس لنقاش ملاحظات لبنانية عليها. وما يدفع لهذا الاستنتاج هو أن هوكشتاين ذاته أعلم لبنان منذ آخر زيارة له للمنطقة أنه لن يعود إلى بيروت، إلا إذا تأكد أن موقف لبنان من المقترح إيجابي؛ بمعنى أنه لن يعود إذا كان موقف لبنان من المقترح سلبي أو حتى تفاوضي!!
.. وعليه فإن الخشية اليوم لا تقع في أن لبنان سيعقد ويصعب موافقة إسرائيل على مقترحها؛ بل تقع في الخشية من أن يرفض نتنياهو هو نفسه مقترحه كما فعل في غزة!!
والواقع أن هذا الاحتمال يظل موجوداً، طالما أن نتنياهو موجود على رأس القرار في إسرائيل؛ ولكن هناك في بيروت وفي غير عاصمة عالمية، من يطلب “نقطة نظام” ليقول إنه يوجد شيء جديد أصبح موجوداً على المسرح منذ يوم ٥ نوفمبر؛ وهو عامل أدى إلى تغيير كل قواعد لعبة نتنياهو؛ والمقصود عودة ترامب للمشهد السياسي كآمر ناهي!!
يقول أصحاب هذه النظرية أن نتنياهو لن يستسهل استفزاز ترامب، وبدل ذلك سيحاول خطب وده؛ والتعامل معه على طريقة تاجر المفرق وعلى الورقة والقلم، وعلى نحو يشعر ترامب بأن علاقته بنتنياهو تساوي تحقيق أرباح له – أي لترامب -؛ ذلك أن نتنياهو يدرك أن ترامب رجل يريد بالنهاية أن يحقق أرباحاً من أي نوع كانت؛ فالمهم بالنسبة إليه أن يجد رصيده يكتنز.. ومن هنا سيحاول نتنياهو إعطاء ترامب دفعة على الحساب من خلال إهدائه إنجاز وقف النار في لبنان..
وهناك من يقول إن نتنياهو يريد التنازل ولو بالحد الأدنى في لبنان حتى يقبض في الضفة الغربية التي يتطلع لضمها، وحتى يوفر عليه تنازلات في غزة التي يتطلع لاعادة سيطرة إسرائيل عليها بشكل من الأشكال…
الواقع أن كل هذه السيناريوهات واردة وقابلة لأن تكون حقيقية؛ ولكن بالمقابل يبقى هناك بالمقابل سيناريو آخر قابلاً أيضا لأن يكون حقيقياً، وهو سيناريو أن نتنياهو قد يكون قرر ليس الكف عن مناورة الخداع بوجود ترامب؛ بل تغيير أسلوبه في ممارسة مناورة الخداع بوجود ترامب..
خلال جولة هوكشتاين المرتقبة هذا الأسبوع سوف يتضح ما إذا كان وجود ترامب على الساحة سيرغم نتنياهو على الكف عن مناورة الخداع، أم أنه لن يتخلى عن مناورة الخداع بل سيغير أسلوب ممارسته لها؟؟!