خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
مرّ يوم أمس من دون أن يخرج دخان آموس هوكشتاين الأبيض من عين التينة. وخرج الرئيس نبيه بري من اجتماعه بموفد الرئيس الأميركي وهو يرسم على شفتيه ابتسامة عدم اليأس؛ أما هوكشتاين فقال باقتضاب لا يزال للمهمة صلة.
.. هوكشتاين ورئيسه في البيت الأبيض، وأيضاً بري والجهة الموجودة في حارة حريك؛ جميع هؤلاء يعرفون أين تكمن العقدة التي تهدد جهود تسوية وقف النار بين لبنان وإسرائيل بالانهيار؛ إنها نتنياهو.
والعقدة الآن على جبهة لبنان هي ذاتها كما كانت بالأمس على جبهة غزة: حماس كانت تقول أوافق على إبرام الصفقة ولكن شرط موافقة نتنياهو على عدم العودة للحرب بعد توقيعها وبعد حصوله على الأسرى؛ واليوم لبنان يقول أوافق على إبرام التسوية ولكن شرط عدم عودة نتنياهو للاعتداء على لبنان بعد توقيع الاتفاق وترميم منطقة عمليات الـ١٧٠١ جنوب خط الليطاني..
الواقع أن طلب حماس إيقاف نتنياهو الحرب بعد إتمام الصفقة، وشرط لبنان عدم العودة الإسرائيلية للاعتداء على لبنان بعد وقف النار، يلخصان القاسم المشترك في لعبة نتنياهو لتخريب جهود الصفقة في غزة وجهود التسوية في لبنان، وفي الحالتين يهدف نتنياهو الإطالة لمصلحة أمد الحرب على الجبهتين..
وهناك عدة أسباب تحفز نتنياهو على إطالة حربي غزة ولبنان، وهي بحسب الترتيب العشوائي: هدفه الشخصي بالهروب من المحاسبة والمحاكمة؛ وهذا الهدف بات يسمى في إسرائيل لكثرة ما تردد “بالشائعة الحقيقية”..
الهدف الثاني هو أخذ نتائج الحرب في غزة لغاية تهجير الغزاويين وحماس على السواء؛ أما هدفه في لبنان، فهو اجتثاث حزب الله، وجعل الحرب في لبنان منصة لتوريط واشنطن بحرب إقليمية ضد إيران…
على هذا تبدو أهداف نتنياهو أبعد من هموم وشجون مهمة هوكشتاين؛ ومع ذلك هناك فرضيات أخرى لا توافق على كل جزئيات “نظرية الشائعة الحقيقية”، وتذهب في قراءة مشهد مهمة هوكشتاين وفق رؤية تقول التالي: هناك هذه المرة أمر جديد يحدث بخصوص تسوية وقف النار على الجبهة اللبنانية، وهو وجود ترامب في المشهد. صحيح أن الأخير لا يزال رئيساً منتخباً، ولكنه يفترض أن تكون هيبته موجودة داخل الأثقال السياسية المخصصة لدفع تسوية هوكشتاين قِدماً إلى الأمام.
ولا يعرف المراقبون ما إذا كان الرئيس بري سأل هوكشتاين عن تفصيلات حول مدى الدعم الذي حصل عليه لمهمته من الرئيس ترامب المنتخب؟.. ولكن في غير مناسبة، قال هوكشتاين إن ترامب يدعم مهمته؛ ولكن لبنان يريد أن يسمع من هوكشتاين عبارة أخرى مفادها “ان ترامب سيضغط على نتنياهو ليوافق بشكل نهائي على صفقة هوكشتاين”.
أول من أمس قال نتنياهو في خطابه بالكنيست الذي قوبل بعاصفة معارضة، إنه يستطيع أن يقول “لا” عند الحاجة لواشنطن..
.. يفترض أن هذه العبارة (اللا الإسرائيلية لواشنطن) تنتمي لعهد بايدن؛ غير أن نتنياهو لا زال يتفوه بها رغم أنه دخل في شعاع مرحلة عهد “الرئيس السوبرمان” ترامب.
ربما أراد نتنياهو بكلامه هذا إحباط المفاوض اللبناني وخفض توقعه بخصوص أن هوكشتاين مرسل إلى المنطقة على ظهر أسطول سياسي أميركي ترامبي، ذات ترسانة نووية لحماية إسرائيل وأيضاً لممارسة ضغوط على نتنياهو لكسر ذرائعه لتعطيل الحل..
ولكن بمقابل ذلك يمكن القول أيضاً إن هناك “شبهة رهان” ليس فقط عند لبنان بل أيضاً عند العرب والعالم؛ على أن ترامب سينجح بممارسة ضغط على نتنياهو لوقف الحرب في لبنان؛ وأن ترامب سيفعل ذلك من أجل مصلحة إدارته ومصلحة إسرائيل على السواء. ويواجه هذا المنطق الآن وفي هذه اللحظة مشكلة تكمن في أن هوكشتاين يقود مهمة لوقف الحرب بين إسرائيل ولبنان، ليس فيها عامل ضغط ترامب على نتنياهو، بل هي لا تزال مثقلة بعامل ضعف بايدن بمقابل قدرة نتنياهو على الاستمرار بأن يقول لا للبيت الأبيض متى أراد، كما أكد في خطابه بالكنيست أول أمس!
سوف يغادر هوكشتاين إلى إسرائيل بعد أن حصل من لبنان على معظم ما يريده، أو على القدر الكافي مما يمكنه من المضي بالتفاوص؛ ولكن في تل أبيب سيطمح هوكشتاين للحصول على سر تعطيل انفجار “عبوة الشائعة الحقيقية” بوجه جهده لإبرام تسوية وقف النار على الجبهة اللبنانية!!. هل ينجح أم علينا انتظار ٢٠ يناير حتى يبادر ترامب بنفسه لتفكيك عبوة “الشائعة الحقيقية”؟؟.