د. حمد الكواري:
“أمثلة تكشف التناقض بين الاحتفاء بالقيم الإنسانية وبين الواقع الذي يُظهر انتهاك هذه القيم”
“إذا قدرتَ على عدوّك فاجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه”
الإمام علي بن أبي طالب
يفترض أن اختيار يوم عالمي لقيم مثل التسامح، المرأة، الطفل، والأم يهدف إلى ترسيخ معاني هذه القيم وتعزيز الوعي بأهميتها في المجتمعات.
غير أن الواقع كثيرًا ما يناقض هذا الهدف، حيث تتحول هذه المناسبات إلى شعارات جوفاء تُخفي خلفها انتهاكات صارخة للقيم ذاتها التي يُفترض الاحتفال بها.
يوم 16 نوفمبر، الذي يوافق اليوم العالمي للتسامح، يمر وسط مشاهد تُناقض تمامًا مفهوم التسامح. في غزة ابادة جماعية ولأكثر من عام، تتواصل المذابح والإبادة بحق الكبار والصغار، وتُرتكب الانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم. الصحفيون يُقتلون أثناء أداء عملهم، والمؤسسات الطبية والإنسانية تدمر، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزًا أو متجاهلًا. بل إن مجلس الأمن نفسه، الذي يُفترض أن يمثل الضامن للسلم والأمن الدوليين، لا يكتفي بعدم تنفيذ قراراته، بل تعرقل الدول النافذة فيه إصدار أي قرار يُطالب بوقف المذابح أو حماية الأبرياء، مما يرسخ حالة الصمت العالمي. أمام هذا الواقع، فيصبح الحديث عن التسامح في مثل هذا اليوم عبثيًا، وكأن المناسبة تتحول إلى تراجيديا تؤكد التناقض بين المبادئ والممارسات.
ولا يقتصر هذا التناقض على التسامح فقط. يوم المرأة العالمي، على سبيل المثال، يُفترض أن يكون مناسبة للدفاع عن احترام المرأة والاحتفاء بمكانتها. ومع ذلك، ما زالت النساء يعانين من العنف المنزلي، وتحويل أجسادهن إلى بضاعة للاستهلاك والترفيه .
أما يوم الطفل العالمي، الذي يُكرَّس لحماية الأطفال وحقوقهم، فيأتي في وقت تُسلب فيه طفولة الملايين بسبب الحروب، حيث يُقتلون أو يُحرمون من أبسط حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية.
هذه الأمثلة تكشف بوضوح عن التناقض الفج بين الاحتفاء بالقيم الإنسانية في أيام رمزية وبين الواقع الذي يُظهر تجاهل هذه القيم بل وانتهاكها.
إذا لم تتحول هذه الأيام إلى فرصة لإحداث تغيير حقيقي، والتزام عملي بتحقيق العدالة والسلام، فستظل مناسبات تفضح عجز العالم عن الالتزام بالمبادئ التي يدعي الدفاع عنها.
دكتور حمد الكواري
وزير دولة بدرجة نائب رئيس وزراء
رئيس مكتبة قطر الوطنية