خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
ليس لدى لبنان فكرة عما إذا كانت لقاءات هوكشتاين في إسرائيل آتت أُكلها، أم أن الأمر يشبه الحالات التي مرت بها فترات الاقتراب من إبرام صفقة في غزة؛ حيث كان يسود التفاءل ومن ثم فجأة ينهار كل شيء لأن نتنياهو “لسبب ما” أو “لوضع مستجد ما” رفض إكمال الصفقة..
لقد فعل نتنياهو ذلك أكثر من عشر مرات خلال التفاوض على وقف النار في غزة، وفعل ذلك أثناء التفاوض على وقف النار في لبنان قبل اغتيال السيد حسن نصر الله؛ والسؤال الآن هو لماذا لا يفعل نتنياهو ذلك مرة أخرى الآن؟؟؛ بل ولماذا لا يجب توقع أن يقوم نتنياهو في اللحظة الاخيرة “ولسبب ما ذي علاقة ببنود التسوية أو له علاقة بحدث مستجد”، بنسف كل جهد هوكشتاين الذي – للعلم – غادر تل أبيب إلى واشنطن أمس من دون أن يترك وراءه خبراً للبنان الذي ينتظر رده عن موقف نتنياهو!!.
كان لبنان ينتظر كلمة واحدة يرسلها هوكشتاين قبل مغادرته إسرائيل: “قمحة” أم “شعيرة”؛ لكنه لم يفعل؛ وبكل الأحوال هناك أمور حصلت خلال فترة اليومين الأخيرين اللذين تليا فترة وجود هوكشتاين في بيروت، حملت دلالات لا تدعوا للارتياح:
الأمر الأول – تكثيف وتصعيد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية. هناك من أراد وضع يده على عينيه والزعم أن نتنياهو يطلق على الضاحية وصور والبقاع صواريخ ما قبل موافقته على نسخة هوكشتاين التي اتفق عليها الأخير مع الرئيس نبيه بري.. ولكن هناك بالمقابل من رأى في هذا التصعيد على أنه جواب بالنار للبنان على مسودة هوكشتاين وملاحظات لبنان، الخ.. أي أن نتنياهو يفضل في هذه اللحظة عدم رفض مبادرة هوكشتاين وعدم إحباط جولته الحالية خاصة أنها تحمل نسائم مرحلة ما بعد فوز ترامب بانتخابات الرئاسة. ولذلك أرسل بالنار لبيروت عبارة “لا” واضحة لمن يتقن ترجمة لغة النار والدمار والمجازر.
ثانياً- تصريح غانتس أحد أبرز رموز قادة المعارضة لنتنياهو الذي أعلن فيه ما معناه بالسياسة، أن أي وقف للنار في لبنان يجب أن يتضمن البند الذي يرفضه لبنان؛ وهو إعطاء حكومة إسرائيل حق العمل العسكري في أرضه متى أراد!!.
واللافت أن هذا الموقف الإسرائيلي المعرقل لجهود هوكشتاين الساعية لوقف الحرب على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية، لا يصدر عن بن غفير ولا عن سيموتريتش، بل يصدر عن المعارضة الإسرائيلية الليبرالية (أو بتعبير أدق المعارضة غير اليمنية المتطرفة) التي هي في موضوع غزة تطالب نتنياهو بتجاوز اعتراضات حلفائه اليمنيين المتطرفين في الحكومة، وذلك لصالح القبول بتبادل الأسرى ووقف النار مع حماس؛ بينما هؤلاء ذاتهم في لبنان، يطالبونه بالتشدد وربط وقف النار بموافقة لبنان على شرط تخليه عن سيادته.
.. منذ البداية كان هناك سؤال مطروح، ومفاده لماذا هناك انقسام وعدم إجماع سياسي داخل إسرائيل على استمرار الحرب في غزة؛ بينما دائماً هناك بالمقابل إجماع في إسرائيل (يضم الوسط الليبرالي واليسار واليمين التقليدي والمتطرف) على شن حرب على لبنان.. واليوم يطالب هذا الإجماع بأن تستمر الحرب على لبنان؟؟.
سبب هذا الإجماع الإسرائيلي على شن الحرب واستمراره على لبنان ليس واضحاً بدقة؛ بل هناك اجتهادات حوله؛ لكن ما بات مؤكداً الآن هو أن هذا الإجماع قائم ومستمر، ويبدو أن له أسس صلبة في خلفية تفكير كل القوى السياسية الإسرائيلية من بن غفير لغاية يائير غولان زعيم الحزب الجديد الذي دمج بين حزبي العمل والحزب اليساري ميرتس!!.
والخلاصة الخطرة المستفادة من هذه الجزئية هو أنه لا يوجد بيئة سياسية داخلية في إسرائيل تعارض الحرب على لبنان أو تعارض استمرار الحرب على لبنان؛ وعليه فإن نتنياهو على عكس حربه على غزة؛ فهو بخصوص لبنان يخوض “حرباً بلا معارضة داخلية إسرائيلية لها”؛ بل الأصح أنه يخوض حرباً يوجد عليها إجماع داخلي..
ثالثاً- الحدث الآخر اللافت الذي حصل خلال وجود هوكشتاين في إسرائيل ليتابع هناك ما توصل إليه مع لبنان؛ تمثل بإعلان محكمة الجنايات الدولية إصدارها مذكرة اعتقال لكل من نتنياهو وغالانت.
هذا الإعلان تم إبلاغه لنتنياهو خلال جلسة اجتماعه بهوكشتاين لدراسة مقترح وقف النار على الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع لبنان.
.. طبعاً هذا الحدث جعل نتنياهو يعطيه أولوية على ملف التسوية مع لبنان. وهناك حالياً نظريتان إثنتان بخصوص كيف أثر موضوع محكمة الجنايات الدولية على موقف نتنياهو من مقترح هوكشتاين(؟؟): الرأي الأول يقول إن نتنياهو سيشعر بأن خناق العزلة الدولية يشتد حول رقبته؛ ولذلك سيذهب لإبرام وقف نار مع لبنان ليخفف الظلال الدموية العالقة بصورته على المستوى العالمي.
..أما الرأي الثاني فيقول إن نتنياهو سيجد في قرار المحكمة سبباً إضافياً لإطالة أمد الحرب في لبنان وغزة، حتى يظل في حالة حرب تمنع خصومه من وضع الأصفاد في معصميه.