في الوقت الذي ينشغل فيه اللبنانيون بنتائج زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين، وتقدم المسار التفاوضي نحو إمكانية إيقاف الحرب الإيرانية – الإسرائيلية على أرض لبنان، أجرت “نداء الوطن” حواراً مع رئيس “مركز الدراسات الإسلامية”، الشيخ خلدون عريمط، الذي يجسّد بخطابه مبادئ دار الفتوى ويعبّر بمواقفه الصريحة عن الخط الوطني والعروبي في أوساط العلماء وقضاة الشرع، وفي الساحة السنية بشكل عام، والتي يبدو صوتها مخنوقاً، كما سائر الطوائف والمذاهب، وأكثر منها مؤسسات الدولة الدستورية والشرعية، نتيجة مصادرة قرار السلم والحرب، وصلاحية التفاوض، من قبل طهران، عبر ذراعها الأقوى في المنطقة “حزب الله”.
استهل عريمط حديثه بالإشادة بموقف مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، خلال القمة الروحية في بكركي الشهر الماضي، والذي يعبّر عن رأي السنة وخطابهم الوطني والتزامهم التاريخي بالشرعية.
ويقول عريمط: “اتفاق الطائف هو ميثاق وطني يتمتع بشرعية عربية ودولية، والالتزام به يعني أن تكون الدولة وحدها من تملك السلاح وتسيطر على الحدود البرية والبحرية والجوية، وهي وحدها من تعقد المعاهدات وتعلن الإلتزام بالمواثيق الدولية، وبالأمن العربي وبميثاق جامعة الدول العربية وبمقررات القمم العربية، وخاصة مبادرة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله من بيروت عام 2002 (الأرض مقابل السلام)”.
وفي قراءته لما جاء في خطاب الأمين العام لـ “حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم جزم عريمط بأنه “يعيش في عالم آخر”. مصوباً على الرواية التي يروجها حزبه منذ إطلاقه حرب “إسناد غزة”، والتي تصوره أنه يقاتل إسرائيل وحدها، ساعياً إلى تقسيم اللبنانيين الى فسطاطين لا ثالث لهما: إما معنا وإما عميل صهيوني.
تظهر الوقائع بحسب عريمط “وجود تحالف دولي تقوده أميركا وإسرائيل ومعهما العديد من الدول الأوروبية ضد فلسطين وقضيتها العادلة، وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. على “حزب الله” أن يكون واقعياً، وأن يقتنع أنه ليس وحده في لبنان، بل هناك دولة ومؤسسات دستورية، وشرائح اجتماعية من مختلف الطوائف والمذاهب. كلنا مع تحرير فلسطين، ومع حق الشعب الفلسطيني الشقيق، لكن ما هكذا تورد الإبل. فقرار الحرب والسلم لا يتخذ في طهران، بل يجب أن يكون بيد الدولة اللبنانية وحدها وهي التي تتحمل المسؤولية، بالتنسيق مع العواصم العربية المعنية بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية وإقامة دولتها والحفاظ على الشعب والأرض والمقدسات”.
يقودنا الكلام عن مرجعية الدولة وحدها، ولا سيما في القرارات المصيرية، إلى تحريم “حزب الله” ذكر القرار الدولي “1559”، واعتباره “مثيراً للفتنة”، وتماهي السنة مع هذا الحُرُم، برفع لواء اتفاق “الطائف”، فيما بنود الـ 1559 قد صيغت وفق الأسس التي بني عليها “الطائف”، مع فارق أن الأخير حين إقراره كانت إسرائيل تحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية، ما دفع إلى إدراج بند مطلق يفتقر إلى التحديد، يتحدث عن “حق لبنان في تحرير أرضه المحتلة”. يحاول “حزب الله” الإتكاء على هذا البند بمعزل عن ظروفه الزمنية لإعادة إنتاج مشروعيته، ولذلك ذكر أمينه العام في خطابه أن حزبه سيكون تحت سقف “الطائف” من باب التقية ليس إلا. ذلك أن “الحزب” لا يعترف بالطائف ولا يذكره إلا بشكل نادر حينما يكون في مأزق.
يرفض عريمط حسم الوصاية الإيرانية على القرار الوطني اللبناني، سواء كانت ناعمة أم خشنة متوجهاً إلى إيران وميليشياتها في المنطقة “إرفعوا أيديكم عن لبنان، هو أدرى بمشاكله، ووحده من يقرر الحلفاء والأصدقاء والأعداء. لسنا بحاجة إلى نصائح إيرانية وخامنئية، فقد بلغنا سن الرشد، ونرفض أن يكون وطننا ساحة للنفوذ والمصالح. صراعنا مع إسرائيل ليس صراع مصالح، إنما هو صراع وجودي على مدى أجيال. في حين أن صراع إيران مع أميركا وإسرائيل مبني على المصالح وتقاسم النفوذ في المنطقة العربية التي ترفض المشروع الإيراني الفارسي التوسعي كما ترفض بقوة المشروع الصهيوني التلمودي”.
ويقارن عريمط بين الدور الإيراني الهدام في أكثر من دولة عربية وإسلامية، وبين الدور العربي الأخوي الخيّر، وخاصة السعودي “المملكة كانت على الدوام سنداً للبنان وشعبه ومؤسساته الدستورية، ودول “مجلس التعاون الخليجي” ومصر، لم تترك لبنان منذ اندلاع الحرب العبثية عام 1975 حتى اليوم”. ويذكر بأن السفير السعودي السابق علي الشاعر أصيب في الثمانينات حين كان يعمل على إطفاء الحريق اللبناني، وكان معه وقتها السفير الكويتي، غامزاً من قناة إصابة السفير الإيراني مجتبى أماني بحادثة “البيجرز”.
“السعودية تدعم لبنان ومؤسساته الشرعية، ولم يكن لديها يوماً أي ميليشيات في لبنان مثل غيرها، ولا تحاول فرض رئيس للجمهورية كما يفعل الآخرون. وجولة السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، على المرجعيات الروحية والسياسية تؤكد ذلك، كما الأسطول الجوي الذي قدمته لإغاثة النازحين والشعب اللبناني”. ويستذكر دور المملكة في إقرار “اتفاق الطائف”، وإعادة إعمار ما دمرته الحروب الأهلية منها والإسرائيلية. ويختم عريمط بالتأكيد أن “إبعاد النفوذ الإيراني والأطماع الصهيونية يشكل الخطوة الأولى نحو قيام لبنان الدولة والمؤسسات، في موازاة العمل على ترميم العلاقات التاريخية مع الأشقاء العرب وإعادتها إلى سابق عهدها، حين كان لبنان الوجه الحضاري والثقافي والإعلامي للمنطقة العربية كلها”.