خاص الهديل…
بقلم: محمد عفيفي
تشهد منطقة الشرق الأوسط مرحلة من التحولات العميقة والمتشابكة، حيث تتداخل الأزمات الداخلية مع التدخلات الخارجية في تشكيل مستقبل الدول والمجتمعات. لبنان، سوريا، والعراق هم في صلب هذا المشهد، إذ يعاني كل بلد من أزمات متراكمة، بينما تلعب القوى الإقليمية والدولية دوراً مؤثراً في تحديد مسارات هذه الدول التي تبدو ملامح مستقبلها غير واضحة بعد.
في لبنان، تتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية بشكل غير مسبوق، مع استمرار الانقسامات الطائفية والجمود السياسي. الفراغ الرئاسي، ضعف المؤسسات، وتراجع الثقة بين الشعب والنخب السياسية تجعل الأفق مسدوداً. في هذا السياق، تتدخل دول مثل إيران عبر دعمها لحزب الله، بينما تسعى فرنسا والولايات المتحدة لدفع الإصلاحات من خلال دعم مشروط. لكن دون توافق داخلي وإصلاحات جادة، ومن هنا يبدو أن لبنان يتجه نحو مزيد من الانهيار، ما يهدد بتحوله إلى دولة فاشلة، إلا إذا نجحت القوى المحلية والدولية في تجاوز الانقسامات ووضع خطة إنقاذ شاملة.
أما في سوريا، فإن البلاد لا تزال تحت وطأة آثار حرب أهلية مستمرة منذ أكثر من عقد. مناطق النفوذ المختلفة تكرّس واقعاً قريباً من التقسيم الفعلي، حيث تسيطر روسيا على المشهد السياسي والعسكري في دعمها لنظام الأسد، بينما تدعم الولايات المتحدة حلفاءها في الشرق، وتستمر تركيا في مراقبة حدودها الجنوبية لضمان مصالحها الأمنية؛ أما الدول الخليجية بدأت بإظهار اهتمام بمشاريع إعادة الإعمار، لكن دعمها مرتبط بتحقيق تسوية سياسية تشمل جميع الأطراف، وعليه يبدو أن سوريا مرشحة للبقاء ساحة مفتوحة للتنافس الإقليمي والدولي، مع احتمالية بقاء التقسيم الحالي بحكم الأمر الواقع.
العراق، بدوره، يواجه صراعات داخلية معقدة تتشابك مع تدخلات خارجية. النفوذ الإيراني يهيمن بشكل واضح، حيث تستخدم طهران العراق لتعزيز استراتيجيتها الإقليمية. ورغم انسحاب القوات الأمريكية جزئياً، تواصل واشنطن التعامل مع العراق كركيزة أساسية لحماية مصالحها الإقليمية. الانقسامات الطائفية والإثنية بين السنة، الشيعة، والأكراد تهدد بتفتيت وحدة البلاد؛ بينما يمكن أن يكون تعزيز النظام الفيدرالي خياراً مقبولاً لضمان التوازن بين هذه المكونات، لكن غياب التوافق الوطني يجعل سيناريو التقسيم الكامل وارداً إذا استمرت التوترات دون حلول.
في ظل هذا المشهد، تلعب القوى الكبرى أدواراً متباينة. الولايات المتحدة تركز على حماية مصالحها الاستراتيجية عبر تقليص انخراطها العسكري وتعزيز الشراكات الاقتصادية والأمنية. فرنسا، من جهتها، تسعى للحفاظ على نفوذها التقليدي في لبنان والمشاركة في إعادة إعمار سوريا. روسيا تستثمر في ترسيخ وجودها في سوريا، حيث توازن علاقاتها مع إيران وتركيا لتعظيم مكاسبها. أما الصين، فتتبنى مقاربة اقتصادية عبر استثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية والطاقة دون التورط في صراعات المنطقة. الدول الخليجية، بقيادة السعودية والإمارات، تعمل على مواجهة النفوذ الإيراني، مع التركيز على بناء شراكات اقتصادية ودعم استقرار العراق ولبنان.
يبقى مستقبل لبنان، سوريا، والعراق مرهوناً بقدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية وبمدى نجاح القوى الدولية والإقليمية في الوصول إلى تسويات تحقق الاستقرار. بينما تزداد التوترات والمخاطر، يبقى الأمل في تحقيق توافقات تعيد صياغة واقع هذه الدول بما يضمن وحدة أراضيها واستقرار شعوبها. المنطقة تقف عند مفترق طرق، إما نحو مزيد من الفوضى والتفكك أو نحو استقرار نسبي قد يمهد لمرحلة جديدة من التنمية والتعاون.