خاص الهديل…
المنطقة العربية وعلى مدار أربعة عقود لم تهدأ تفاعلاتها، حيث استمرت الحروب والصراعات بشكل متواصل، ورغم توقف بعضها لفترات، كانت سرعان ما تعود للاشتعال مجدداً؛ وقد ظهرت مصطلحات جديدة مثل “الفوضى الخلاقة” التي روجت لها كونداليزا رايس وجورج بوش الابن مع فريقهم السياسي، وكان الهدف منها إحداث تغييرات، في ظاهرها نشر الحرية والديمقراطية، وفي باطنها تفكيك الدول وزرع الإرهاب والصراعات.
كان من غير المفاجئ أن يتصدر بعض الأثرياء وداعمو الفوضى مشهد التغيير باعتباره الوسيلة المثلى للانتقال إلى واقع جديد، رغم أن الدول التي سلكت هذا الطريق لم تجد سوى الخراب؛ فبينما قد يعتبر البعض أن عودة ظهور تنظيمات مثل القاعدة أو داعش في سوريا كانت مجرد مصادفة أو نتيجة لتفاعلات إقليمية، فإنها في الواقع تمثل جزءاً من سياق طويل من الصراعات التي أخرجت دولاً من دائرة الاستقرار، وجعلت المنطقة عرضة لتدخلات أجنبية، كان لها تداعيات سلبية على الإقليم.
في هذا السياق، كان ظهور تنظيم داعش واحداً من أخطر نتائج هذه الفوضى، حيث سعى التنظيم لفرض “خلافة” وهمية في سوريا والعراق، مع تواجده في بعض مناطق أفريقيا، فالبرغم من الهزائم التي لحقت به بعد 2016، ظل داعش وبقية التنظيمات المتطرفة مستعدة للمشاركة في حروب الوكالة التي تدور في المنطقة، في إطار صراع النفوذ.
في هذا الصدد، يربط بعض المحللين هذه الأحداث بهجمات 11 سبتمبر 2001، التي نفذها تنظيم القاعدة، واعتبارها بداية لسلسلة من الغزوات العسكرية، حيث أعلن جورج بوش الحرب على الإرهاب، بدءاً من غزو أفغانستان ثم العراق. وفي البداية، كان الهدف المعلن هو مكافحة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، ثم تطور ليصبح نشر الديمقراطية؛ لكن بعد 23 عاماً، لم تحقق أفغانستان والعراق أي تقدم في مجال الديمقراطية، بل شهدا تدهوراً في الأوضاع، وازداد انتشار الإرهاب، مع ظهور تنظيمات مثل داعش والنصرة، التي تم تمويلها ودعمها من دول وجهات مختلفة.
ومع تطور الأحداث، كان التدخل الأمريكي وحلف الناتو في ليبيا يمثل نقطة فارقة، حيث تم إسقاط نظام القذافي، ولكن البلاد غرقت في فوضى الميليشيات والتنظيمات المسلحة التي استفادت من هذا الدعم. وفي نفس الوقت، شهدت سوريا تحولات مماثلة، حيث تم تقديم الدعم لقوى معارضة، ولكن هذا الدعم سرعان ما استغلته التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة، التي أصبحت تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي.
وبالرغم من الوعود بنشر الديمقراطية، فإن النتائج كانت معاكسة تماماً، إذ أدت هذه التدخلات إلى انهيار مؤسسات الدول وتفكيكها، ليحل محلها تنظيمات إرهابية وميليشيات مسلحة ترفض أي حلول سياسية؛ وعليه فإن تجربة الغزو لم تكن مجرد سلسلة من الهزائم العسكرية، بل أفرزت واقعاً كارثياً من الفوضى والدمار.
ومن هذا المنطلق، تثبت التجارب السابقة أن تكرار محاولات “المقرطة” عبر الغزو لن يؤدي إلا إلى تعزيز الإرهاب والفوضى، وأن الدول التي سقطت في فخ التدخلات الأجنبية لم تجد طريقاً إلى الاستقرار أو الديمقراطية. وقد أظهرت تلك التجارب أن انهيار الدولة يؤدي إلى فراغ يسهل استغلاله من قبل قوى متطرفة، وهو ما يهدد المنطقة بمزيد من الأزمات والصراعات..