خاص الهديل ….
للمرة الأولى نكتب ولا ترتجف أيدينا، للمرة الأولى نستطيع أن نُعبر عما يجول في خاطرنا دون أن يُحاسبنا أحد، للمرة الأولى تصدحُ حناجِرُنا ضد من سلب منا أجمل أيام حياتنا، وتغربنا بسببه عن عائلاتنا وأقاربنا؛ أخيراً نستطيع التحدث بلغتنا – الكُردية – دون خوف ودون أن نقول أن للجدران آذان صاغية، بعدما مُنعنا من ممارستها في المدارس والطرقات وكأنها أصبحت لعنةً تُلاحقُنا، وندفع ثمنها تحت أقبية السجون.. أخيراً انشكف ليلٌ الاستبداد الطويل بعد سنين عجاف من نظام نكل وأجرم واضهدَ وهجّر السوررين بكل مكوناتهم من أرضهم، أخيراً بزغ الفجر على جبل قاسيون ولا سلطان عليه، أخيراً خرج آل الأسد من دمشق المثكولة، بعد أكثر من خمسة عقود..
ها قد استقيظ السوريون، متفائلين بالمستقبلِ، على الرغم من ضبابيته، وانتهت حقبة الأسد ونظامه، بعدما أدخل شعبها في ظلامٍ يكادُ لا ينفكُ عنهم بسهولةٍ بعد هذه السنيين؛ أراد الشعب إسقاطه بالهُتافِ والغناء، فأطلق النار على حناجرهم؛ وطالت الثورة السورية، وتعثرت ودفنت مراتٍ ومرات وعانى رموزُها؛ لكن أبنائها تشبثوا بالحلم رغم السياق الدولي الغير مواتي، فانتظر السوريون 13 عاماً، واسقطوهُ بالبنادق..
هرب الرئيس المخلوع بنظامه بعدما سالت أنهارٌ من الدماء، وشُرَدَ ملايينٌ على أطراف الكرة الأرضية، وضج البحر من أشلاء المطرودين من أوطانهم، هرب الأسد، وتشبث السوريون برموزه وتماثيِلِهِ، يجروها في ساحات سوريا، وذاكرتهم الدامية الممتلئةُ بأفاعيله وأفاعيل أبيه من قبل؛ اليوم انكشف الغطاء وخرج الناس من الحارات والزنازين يفرُكون عيونهم غير مصدقين لما يرون؛ دخل الثوار إلى سجن صيدنايا – كابوس السوريين، إبداعٌ في الإجرام كما يذكره قابعوه – لأولِ مرةً غير سجناء، فوجدوا الحرائر الحالمات بالحرية قابعاتٍ منذ سنوات وربما عقود، دفعنَّ شبابِهنَّ أجمل السنوات لتتحرر سوريا؛ خرجنَّ مذهولاتٍ لا يُصدقنَّ ما يتكشفُ أمام أعيهنَّ.
الآن انهار النظام الذي كبس على أنفاس السوررين، كما تنهار الأنظمةُ الغير متصالحة مع شعوبها، فقد سقط عندما انكشف الغطاء الخارجي عنها، الذي كان يحميه من شعبه، سقطَ بإرادة شعبها وبعزيمة أطفالها الذين اُخرِجوا من ديارهم بغير حق، وعادوا شباباً فاتحين.
سقط النظام، ولكن المرحلة المقبلة لسوريا تحتاجُ تكاتف ابناءها جميعاً بمختلف طوائفهم ومكوناتهم وقومياتهم، وهي الآن أمانة بأعناق جميع السوريين لكي ينهضوا بها مجدداً، ولتكون منارةً لجيل حَلُمَ بها منذ سنوات.