خاص الهديل….
قهرمان مصطفى…
قد يحتاج السوريون الخروج من دمار الحرب المُشتعلة منذ ثلاثة عشر عاماً، ومن نصف قرن أَسَدي قرابة نصفه تحت ولاية رئيس باهت ومحدود القدرات، إلى ما يتجاوز نطاق الأشهر الثلاثة – نهاية فبراير 2025 – الموصوفة في برنامج حكومة تسيير الأعمال السورية.
وقد لا يُخفى على أحد، بأن الملامح الأولى للمرحلة المُقبلة في سوريا باتت مرسومة بشكل أو بآخر؛ حيث ستتولّى “هيئة تحرير الشام” الإدارة منفردة لنحو ثلاثة أشهر، يفترض أن تشهد تحضيراً لأجواء الانتقال، بالتوازي مع الاضطلاع بالمهام الحيوية، لجهة تثبيت الأمن وتأمين الحاجات الاجتماعية، وبعودة الحياة إلى طبيعتها بالرغم مما تعانيه الدولة من حالة الركود.
يمكن القول، بأن الجميع في الداخل والخارج، يتعاملون مع الأمر الواقع بانفتاح وسعة صدر، ولم تطرأ أية مؤشرات على التنازع فيما يخص السلطة التنفيذية المؤقتة، وقيادة أحمد الشرع على المشهد الراهن، لا من المعارضة المدنية وراء حدود الدولة، ولا من قواها الاجتماعية ومكوناتها الهوياتية المتنوعة..
العنوان العريض ينحو إلى إحسان الظن، ورعاية مسار التعافي العاجل من مُتبقِّيات النظام المخلوع، وإرجاء الخلافيات إلى ما بعد النظر في الأولويات، وتجاوز تحديات الوضع القائم؛ يبدو أنه العنوان المسيطر على المشهد الراهن في سوريا الجديدة.
المجال الوطني يسير فيما يشبه الإجماع، والمواكبة الإقليمية تتثبت في مواقفها احتراماً للقرار السوري.. وبعيداً عن الشكوك والملاحظات المبكرة؛ فإن قطاعاً عريضاً من الشعب لا يرى غضاضة فيما يجري حتى اللحظة، منطلقاً على الأرجح من افتراض أنه لا شيء أسوأ مما كان، ولا غاية تتقدم على تصفية تركة “البعث”، والخروج الكامل من ميراث العائلة الأسدية المخلوعة.
على السوريين الآن أن يعوا بأن الوقت الراهن، هو وقت التلاقي على هدف واحد، ولن تبرز التناقضات الآن، ولا في أي وقت قريب. ثِقَلُ الماضي غطاءٌ على أية مرارة حالية، ونشوةُ النصر تكفي لتقديم حسن الظن في القادة الجدد، والأحلام السامية متروكةٌ للمستقبل وتفاعلاته.
الحق يُقال بأن إشارات أحمد الشرع إيجابية حتى الآن؛ إنما المطلوب أن تقترن الأقوال بالأفعال. وليس من التزيُّد والتشغيب أن تُسجل مآخذ مبكرة على تكوين الحكومة المرحلية، وانفراد الهيئة بها – كما يُقال –؛ صحيحٌ أنها مرحلة عنوانها الشكّ، ويقودها هاجس الخلاص من سلطة قديمة كانت تهيمنُ على كل شبر في البلاد؛ لكنَّ الشعب السوري بحاجة للاطمئنان بمثل ما يحتاجه الفاعلون الجدد، أو أضعافه؛ لأنهم لا يتحصَّنون بسلاح أو مؤازرة خارجية كغيرهم، كما يجبُ ألَّا يظلَّوا مستبعدين تماماً في الحالين: النظام قديماً بالطائفية والتخوين، والأصوليون حديثاً بالولائيَّة والانغلاق على ذواتهم.
الحاجةُ للتطمين في سياق مُلتبس كهذا؛ إنما تتعلقُ في عنق الحاكم الجديد حصراً، بإبداء صورةٍ مغايرة عن سلفِه الساقط، وتبديد الريبة المُحتملة في أنَّ السياق قد لا يتجاوزُ إحلال مُستبدٍّ بآخر.
خلاصة القول، سوريا فى مخاضٍ وجودي حقيقي. ليس من مصلحة الدولة أن تُكسر السلطة الجديدة، ولا من مصلحة الطرفين أن تُبتلع المرحلة الانتقالية لصالح طيف واحد.. البيتُ السوري مُبعثَرٌ لدرجةٍ تتجاوزُ طاقةَ أي من ساكنيه على الترتيب، والمخاوف في أَوجِها داخلياً وخارجياً. تجربةُ الأسد أثبتت بُؤسَ الحواضن الخارجية؛ ويجبُ أن تكون درساً للواقفين على أطلاله الآن.