خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يخشى البعض أن تعود سورية إلى زمن الانقلابات التي سادتها خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي.. حينها كانت دمشق تصحو على بيان رقم واحد يعلن انقلاب ضابط في الجيش السوري على البيان رقم واحد الذي كان أعلنه قبل أيام ضابط آخر في الجيش السوري، وهكذا..
آنذاك ظهر أن سورية كعادتها تاريخياً هي بلد صعب ولا يمكن لحاكم أن يحافظ طويلاً على كرسي رئاسته أو حكمه.. ومن بين الأهمية التي تعطى لحافظ الأسد تكمن في أنه استمر في حكم سورية لفترة طويلة، فيما فشل الضباط والشخصيات النافذة بتحقيق ذلك.
.. واليوم يتم النظر إلى هيئة تحرير الشام بحذر، وذلك لجهة ما إذا كانت ستتحول إلى بيئة تنتج من لدنها أمراء ينقلبون على بعض ويتلون في كل يوم بيان رقم ١ يمحي البيان رقم ١ الذي يسبقه؛ وبذلك تتحول بيئة هيئة تحرير الشام إلى مصنع ينتج انقلابات متتالية كما كان حال الجيش السوري في خمسينات وستينات القرن الماضي.
يلاحظ أن أحمد الشرع يتأنى برسم شخصيته؛ وهو في ذهنه يعرف أغلب الظن، أن حكم سورية صعب؛ وأن المهم هو ليس متى وكيف تصل إلى قصر المهاجرين؛ بل كيف تطول إقامتك في قصر المهاجرين؛ وهل تستطيع أن تحكم طويلاً وبأية توازنات؟؟.
يقال ان قوة حكم حافظ الأسد تكمن في واحد من جوانبها؛ بأنه أعطى أرياف المدن مكاسب؛ في حين أن ضعف حكم بشار الأسد يكمن في أنه سلب الأرياف مكاسبها لمصلحة مركزة ثروة النظام وليس البلد في المدن؛ فحقدت هذه الأخيرة على النظام وعلى المدن التي تمركزت فيها الثروة تحت سلطة الأسد وأقاربه، الخ..
هناك تحليل يقول ان ثورة ٢٠١١ السورية قامت بها الأرياف المحرومة على المدن التي تمركزت فيها ثروة النظام وبدرجة تالية ثروات عائلات المدن.
وتقول دراسات كثيرة ان من بين الأسباب الهامة التي ادت لاندلاع ثورة الياسمين عام ٢٠١١ هو تولد رغبة موضوعية عند الأرياف للهجوم على المدن والسيطرة عليها توصلاً لكسر احتكارها للثروة وقتل النظام.
لا يوجد أرقام محددة عن توزع نسب ثروة سورية خلال حكم بشار الأسد؛ ولكن نظرة عامة لحكمه توضح أنه ذهب لاحتكار الثروة داخل اقتصاد المدن بدل أن يوزعها على نحو عادل أو حتى مقبول. وكنتيجة غير مقصودة لسياساته هذه، ولدت في سورية فكرة الحرب بين المدن وأريافها، حيث أن الثوار الذين تحولوا لمجاهدين لاحقاً كانوا ينطلقون من أرياف المدن ليسيطروا على المدن؛ فيما المدن لم تكن بنسبة عالية تشارك بالقتال ضد النظام ولم تبد حماسة زائدة لاستقبال الريفيّن الثائرين أو المجاهدين حسب آخر نسخة من تطور الثورة السورية.
يؤدي الغباء في إدارة الاقتصاد الاجتماعي دوراً ليس قليلاً في سقوط بشار الأسد؛ فيما ذكاء والده تجاه إدارة الاقتصاد الاجتماعي ساهم في إطالة عمر حكمه.. وحينما أرسل حافظ الأسد جيشه إلى لبنان أرسل معه طبقة تجار السنة لتستفيد مالياً من لبنان؛ بمعنى أن إنجاز منحه تفويضاً أميركياً سعودياً ليدير لبنان، استغله الأسد الأب ليحقق لطبقة التجار السنة الدمشقيين فائدة.. وبالمقابل لم يقم بسلب الريف مكاسبه لصالح اقتصاديات المدن.
كل الفكرة الآن هو أن يتنبه أحمد الشرع إلى أن الأرياف التي سارت وراءه لدخول دمشق فاتحاً؛ يجب أن تعود إلى الأرياف ولا تبقى في دمشق لتحكمها أو لتنتقم من مرحلة تمركز الثروة السابقة في المدن.
يجدر تصحيح التوازن بين الأرياف والمدن؛ يجدر أيضاً إزالة الغبن عن الريف السوري الذي خلفه بشار الأسد؛ ولكن يجب عدم السماح للريف السوري بأن يعتبر نفسه انتصر على ما يتوهمه بأنه “نظام المدن”؛ ويجدر في هذا المجال أن يتم إفهام أنقرة أن منتوجات تركيا الزراعية يجب أن لا تنافس في السوق السوري منتوجات الأرياف السورية الزراعية، وأن صناعات تركيا يجب أن لا تنافس في السوق السوري صناعات حلب المدينة.
لعل واحدة من المهام الضخمة التي سيواجهها أحمد الشرع هو تصحيح التوازن ليس فقط الاقتصادي بل النفسي والاجتماعي بين المدن وأريافها بشكل خاص، وأيضاً بين الأرياف والمدن بشكل عام.. فهل ينجح؟؟.