خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
مما لا شك فيه أن الدبلوماسية الدولية تجاه سوريا هي خطوة قد تعكس رغبة في التكيف مع الواقع الجديد الذي تشهده البلاد بعد سنوات من الانقسام والصراعات؛ فالتحول الذي حصل في سوريا جاء في وقت حساس بعد سنوات من المقاطعة الدولية التي نشأت مع تداعيات “الربيع العربي” وما تلاه من دعم روسي للنظام السوري في مواجهته للمعارضة المسلحة. وعلى الرغم من هذه الانتصارات المرحلية، لم يُسَتغل الزخم الذي تولد بعد التدخل الروسي بشكل كامل، خصوصاً في العلاقة مع العالم العربي، مع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة وتوجهات النظام نحو تحالفات غير متوازنة، أبرزها دعم موسكو على حساب الغرب، وهذا التوجه تجسد بشكل جلي مع بداية الأزمة الأوكرانية.
ولكن بعيداً عن هذه الخلفية السياسية التي شهدتها سوريا تحت قيادة الأسد، تبرز حالة من الانفتاح الدولي على دمشق في الآونة الأخيرة، والتي تحمل في طياتها سعياً لإعادة دمجها في الساحة الإقليمية والدولية. ما كان يعتبر معضلة في الماضي بات اليوم موضوعاً للحديث بين العديد من الأطراف، خصوصاً بعد تحولات دبلوماسية لافتة تخرج عن سياق المعايير السابقة؛ وعليه يبدو أن هناك مساعي جادة من المجتمع الدولي للمصالحة مع دمشق، سواء على مستوى إعادة بناء المؤسسات السورية أو بتوجيه دعوات لهيكلة سياسية جديدة، تشمل صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة.
ورغم أن هذه الدعوات ليست جديدة، فقد فشلت في مرات سابقة، إلا أن الوضع الحالي يختلف بشكل واضح عن الماضي القريب، مع تزايد الضغوط الإقليمية والدولية على سوريا؛ ففي ظل الغزو الإسرائيلي للأراضي السورية، وتمدد عدوانه من غزة إلى لبنان واليمن، يبدو أن دمشق قد تكون مضطرة للتعامل مع هذه التحديات بشكل يضمن عدم تصعيد الصراع بشكل أكبر. ومن هنا، تُلاحظ محاولات للتهدئة، قد تكون جزءاً من مرحلة انتقالية تهدف إلى استعادة التوازن الداخلي والخارجي في مواجهة القوى العظمى.
تؤكد هذه التغيرات على حالة من التحول الاستراتيجي الذي يشهده الوضع السوري، حيث يتنازل النظام تدريجياً عن حلفائه التقليديين، مثل إيران وحزب الله، لتفتح الباب أمام علاقات دبلوماسية أكثر توافقاً مع القوى الغربية، التي لا تفصل مصالحها الأمنية عن ملفات أخرى تتعلق بإسرائيل، وهو ما يمكن أن يكون سبباً رئيسياً في استئناف العلاقات مع دمشق؛ وبات القول إن هذه التحولات قد تُعيد تشكيل المعادلات الإقليمية بما يتماشى مع مصالح الغرب، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل اعتداءاتها على مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، محاولاً إعادة خلق حالة من الفوضى تهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية.
من خلال هذه السياقات المعقدة، يصبح التكيف الدولي مع الوضع السوري الجديد مشروطاً ليس فقط بمدى قدرة دمشق على تنفيذ المطالب الغربية، بل أيضاً بمدى تجاوب النظام الجديد مع المتغيرات الإقليمية والدولية، مثل العلاقة مع إسرائيل ودور سوريا في الموازين الكبرى للصراع العالمي، ولا سيما في مواجهة الخصم الروسي.