خاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
أول مرة، منذ سنوات، يتضح للاعبين الإقليميين والمحليين على نحو واضح أن الوقت لم يعد جنرالاً يمكن السير خلفه لتقطيع المراحل الضائعة؛ فهذه المرة فعلاً الوقت السياسي أصبح كالسيف إن لم تقطعه يقطعك.
هذا الأمر صحيح بالنسبة إلى سورية وإلى إسرائيل وإلى إيران وتركيا وروسيا؛ وحتى في غزة وأيضاً في لبنان..
في إسرائيل، لم يعد نتنياهو يعتقد أن الوقت يعمل في صالحه كما كان حاله طوال السنة والنصف تقريباً الماضية؛ الآن نتنياهو استعجل وقف النار مع لبنان؛ وسيكون عليه حالياً أن يستعجل اتمام صفقة تبادل الأسرى مع حماس قبل ٢٠ يناير القادم، وقبل دخول ترامب للبيت الأبيض؛ وفي حال سوّف نتنياهو هذه المرة الوقت وماطل فيه؛ فإنه سيجد نفسه أمام تطبيقات المثل القائل بأن سيف ترامب يقطعه، وسوف يجد أن المحاكم ستطارده بدل أن تنتظره حتى يوقف الحرب كما كان حاله أيام إدارة بايدن الضعيفة أو المترددة أو التي كانت تمر بلحظات فقدان الإدراك..
حماس أيضاً تحتاج لتسوية قبل أن يصبح الوقت في غير صالحها أكثر فأكثر؛ والواقع أنه في حين أن سيف وقت ترامب يضغط على نتنياهو، فإنه أيضاً يرعب حماس التي سمعت ترامب يقول انه في حال لم يتم إطلاق الأسرى الإسرائيليين، وبينهم ذوو الأصول الأميركية، وذلك قبل جلوسه وراء مكتبه في البيت الأبيض، فإنه سيحرق الشرق الأوسط!!
أضف أن حماس تخاف أن يصبح العالم منشغلاً أكثر بالوضع السوري؛ كما يوجد داخل حماس فكرة طارئة تقول انه طالما الغرب سمح بوصول إسلاميين إلى السلطة في سورية؛ فلماذا لا تحاكي حماس تجربة هيئة تحرير الشام، بمعنى أنها تذهب بالكامل إلى حضن أنقرة وتقوم بتنازلات بهدف استعجال إبرام صفقة الأسرى مع إسرئيل؛ وبعد ذلك تدخل في مرحلة وقف نار معها؛ ومن ثم تعلن عن تغييرات على مستوى تفكيرها وعقيدتها حتى يصبح لها نفس ملامح هيئة تحرير الشام بنسختها الجديدة؛ ثم تنتج من لدنها ومن بين صفوفها أحمد الشرع الفلسطيني الذي تقبل واشنطن بالتعاطي معه، وذلك بنفس الطريقة التي تتعاطى فيها الآن – وبعد طول قطيعة واتهام بالإرهاب – مع أبو محمد الجولاني السوري الذي بات إسمه راهناً أحمد الشرع.
ببساطة الوقت يعمل في هذه المرحلة لصالح القوى التي تريد تغيير أفكارها ولكن من داخل بيئاتها؛ ولكن أيضاً يجدر الإشارة إلى أن هذا العرض الأميركي محدود الوقت، أو أنه ليس مفتوحاً زمنياً.
أفضل لاعب على هذه الفكرة؛ أو يمكن القول أن أكثر من أظهر إبداعاً في تلقف هذه الفكرة، هو رجب طيب أردوغان الذي نجح بأخذ أبو محمد الجولاني من يده إلى حيث تقبله واشنطن وتبدل نظرتها إليه من إرهابي وداعشي وخليفة لأسامة بن لادن إلى إسلامي متنور وشريك استراتيجي مرتقب لأميركا بمكافحة “الإرهاب السني”، وسد الطرق على نفوذ “الإرهاب الإيراني الشيعي”.
أهمية أحمد الشرع عند واشنطن، ورصيده الكبير الموجود في مصرف تركيا، هي أنه أولاً كان أبو محمد الجولاني، وثانياً نجح ويراد له أن ينجح في أخذ بيئته بالتدرج وبالإقناع تارة وبالقوة تارة أخرى من ضفة السلفية الجهادية العالمية إلى ضفة الإسلام الدعوي الذي يحافظ على فروض الصلاة الخمس ويدعو للحسنة وينهي عن المنكر، الخ..
بعد وفاة الرسول العربي محمد نشأت الدولة الإسلامية لأول مرة بمعناها الراسخ على أيدي الأمويين في الشام؛ وكان مقر عاصمتها دمشق. الآن توجد فكرة تسعى لأن تصبح واقعاً ومفادها جعل دمشق مرة ثانية عاصمة للإسلام المعتدل الأموي، وربما لاحقاً للإسلام العلماني الذي لا يبرم صلحاً مع إسرائيل؛ ولكنه يبرم هدنة معها لمئة عام، كما كان مطروحاً لفترة داخل بيئة حركة حماس التابعة للإخوان المسلمين..
قد يكون المطلوب أنه بمقابل وجود نتنياهو في إسرائيل الذي لا يريد حل الدولتين ولا اعترافاً بالفلسطينيين؛ يوجد في سورية أحمد الشرع الذي لا يريد حرباً مع إسرائيل ولا اعترافاً بها؛ وبالتالي يصبح الحل المناسب له – أي للشرع – ولنتنياهو ولليمين الإسرائيلي، هو الهدنة الطويلة بين إسرائيل من جهة وأبو محمد الجولاني سابقاً وأحمد الشرع راهناً من جهة ثانية.
إنها نهاية التاريخ للصراع لأمد طويل؛ ولكن ليس أبدياً.. هذا أقصى ما يمكن تحقيقه على مستوى إنهاء الصراع العربي والفلسطيني والإسلامي مع إسرائيل: هدنة لمئة عام وليس سلاماً مستداماً!!