خاص الهديل….
![]()
بقلم: ناصر شرارة
ترامب مشغول جداً، ولا يمكن أخذ حتى لحظة واحدة من وقته كي يساعد لبنان على إخراج إسرائيل من كل الجنوب.. وهذا الوضع يعني أن دعم ترامب لاستقرار لبنان هو لفظي أو بالقطعة، وأقله أنه لم يتحول إلى قرار سياسي، أو إلى سياسة معتمدة. يستطيع أي سياسي أن يخرج للإعلام وينفي هذا الكلام والقول أن أميركا تؤيد وتدعم لبنان وعهده الحالي وحكومته بدليل دزينة من التصريحات الأميركية تذهب هذا المنحى؛ ولكن قياس ألموقف الفعلي للولايات المتحدة الأميركية لا يقاس بهذه الطريقة، بل من خلال وضع إصبع توما على المواقف الفعلية لواشنطن. مثلاً، يوم ١٨ شباط الماضي كان هناك امتحان ليس لإدارة ترامب (فهو متحرر من الحكم على سياسته)؛ بل كان امتحاناً لما إذا كان لبنان يستطيع فعلياً الاعتماد على دعم إدارة ترامب، ولأي مدى(؟؟). وجاءت نتيجة الامتحان سلبية؛ حيث أن نتنياهو لم يتقيد بالموعد الذي حدده له ترامب للانسحاب الكامل من الجنوب؛ وبالمقابل لم يبد ترامب أي رد فعل عقابي لنتنياهو.
كان الرئيس كميل شمعون يقول أعمل مع الأميركيين في كل شيء إلا في السياسة. وهذه المقولة تظل صحيحة سواء كان رئيس أميركي بايدن أم نيكسون أم كينيدي أم ترامب؛ وربما بالأخص ترامب.
يجب على لبنان أن يتوقع دائماً توقع أن الأميركي سينزل من المصعد في الطابق الخامس ويترك لبنان يصعد لوحده إلى الطابق العاشر؛ وحينما يصل سيجد أنه لا يوجد بالأساس طابق عاشر بحسب ما أخبره الأميركي.
هذه أمثلة عن تجربته مع الأميركيين تركها للبنان الرئيس شمعون الذي ظل يؤمن أنه لا يمكن للبنان أن يدير ظهره لأميركا ولكن بالمقابل لا يمكن للبنان أن يغط بسابع نوم في حضن أميركا!!
وأغرب كلام يسمعه المراقب هو القول المنسوب دائماً لأميركا عن أن واشنطن تدعم الجيش اللبناني وهو خط أحمر وهي تخطط لزيادة تسليحه. لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية تقدم دعماً مستديماً للجيش اللبناني، بغض النظر عن مداه وعما إذا كان كافياً أم ليس كافياً؛ ولكن التساؤل هنا يقع في أن الجيش في لبنان ليس عصا المطلوب أن تصبح غليظة؛ بل هو أداة وطنية عسكرية في بلد ديموقراطي؛ وكل القصة بشأنه تبدأ من نقطة أنه يجب على أميركا دعم إنتاج بيئة استقرار سياسي في لبنان يفيد منها الجيش كما كل مؤسسات الدولة الأخرى؛ ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الجيش لا يحتاج فقط لدبابات وجنود إضافيين لينفذ القرار ١٧٠١؛ بل ما يحتاجه أساساً وقبل كل شيء هو أن تضغط أميركا لتجعل البيئة السياسية في منطقة القرار ١٧٠١ صالحة لانتشار الجيش اللبناني فيها؛ وأسرع وصفة لتحقيق ذلك هو أن تضغط أميركا على إسرائيل كي تنسحب من كل الجنوب اللبناني؛ ما يجعل الجيش هو المسيطر الوحيد مع اليونيفيل على منطقة جنوب الليطاني. بكلام آخر: في جنوب الليطاني الجيش يحتاج بقدر أكبر لمؤنة أميركية سياسية ضد بقاء إسرائيل في الجنوب؛ بأكثر ربما مما يحتاج لمؤنة عسكرية..
الأرجح أن واشنطن ترامب لا تفكر بهذه الطريقة؛ فعندما ينظر رجل قضى عمره كمطور عقاري إلى جنوب لبنان لن يلفت نظره أن الجيش الإسرائيلي موجود على خمس تلال لبنانية، بل سيسيل لعابه لكون شاطئ الناقورة هو عقار للبيع؛ أو أن بلدة مارون الرأس هي مشروع منتجع صالح لشرائه. صحيح أن هذه الأفكار لم تطرح بعد، ومنطقياً مستبعدة؛ ولكنها كسيناريو محتمل وفق منهجية الخيال السياسي؛ تظل موجودة وفق المعادلة الحسابية التالية: طالما ظلت إسرائيل موجودة داخل لبنان + طالما أن ترامب موجود في البيت الأبيض + استمرار قيام يهود إسرائيليين كهانيين مسيحانيين بدخول أراض لبنانية وتدعو لاستيطانها = احتمال بروز مع الوقت مبادرة لترامب تقول أنه لا الحل الأمني ولا الحل السياسي نافع لضبط الأمن على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وأن أفضل حل هو الحل العقاري؛ أي أن تستثمر أو أن تستأجر أو أن تشتري أميركا “حافة الحدود اللبنانية الجميلة” مع إسرائيل؛ ليصار إلى بناء ريفييرا ثانية فوق قطعة حافة الـ ٥ كلم مربع التي دمرتها إسرائيل بالكامل وجرفت بيوتها وبناها التحتية وتمنع حالياً بالنار عودة أهلها إليها أو تجعل عودتهم محفوفة بالمخاطر؛ وكل ذلك يجري دون أن تحرك إدارة ترامب أو لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الدولية، ساكناً..
هذا الوضع يفتح الباب على مصرعيه أمام طرح عدة أسئلة عن أميركا ولبنان وليس سؤالاً واحداً:
السؤال الأول لماذا السكوت الأميركي عن بقاء إسرائيل عند حافة الـ ٥ كلم مربع سواء بشكل مباشر أم بالنار؟؟.
السؤال الثاني لماذا لم يضرب ترامب موعداً ثانياً لسحب نتنياهو عسكره من التلال الخمس؟؟ وقبلاً لماذا لم يف بوعده بخصوص دفع نتنياهو للانسحاب من كل الجنوب يوم ١٨ شباط الماضي؟؟.
السؤال الثالث ما الذي يمنع وما الذي يضمن للبنان أن يستفيق اللبنانيون ذات ليل حسب التوقيت اللبناني؛ أو ذات صباح حسب التوقيت الأميركي على تصريح لترامب يقول فيه أن قرى وبلدات حافة الحدود اللبنانية مع إسرائيل لا يوجد فيها سبل حياة؛ والأفضل وضع خطة لتهجير أهلها اللبنانيون إلى “جزر القمر” (مثلاً) حتى لا نقول إلى العراق؛ وذلك لحين إعادة بنائها؛ على أن تقام فوقها هذه الأثناء ريفييرا ثانية تمتد من مطل الناقورة على بحر المتوسط حتى مرتفع مارون الرأس المطل على اخضرار الجليل وصولاً لمصبات مياه نهر الوزاني.
.. إنه خيال سياسي؛ ولكن مع ترامب ونتنياهو وانعكاسات الاحتمالات السورية السوريالية على لبنان، غالباً ما يتحول الخيال السياسي إلى وقائع سياسية يجدر التحسب لها بعقل ومنطق وبأسلوب حكيم يضع الحصان الداخلي أمام العربة الخارجية وليس العكس؛ حيث أن الأحداث الراهنة توضح أن التحديات المقبلة هي داخلية يواكبها الخارج ويبني عليها احتمالات ومعادلات أخطر ما فيها أنها تجريبية كمثال ما يحدث في سورية..

