خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
هناك بوادر فعلية لحل الكنيست على خلفية تجنيد الحريديم.. هذا الموضوع يتفاعل منذ وقت طويل، وهو موجود دائماً على طاولة الحكومة ويحظى بنقاش وسجال لا ينتهي.
لكن الجديد الآن في هذا الموضوع، هو أن حسمه بات ملحاً وضرورياً لدرجة أنه أصبح أكبر من قدرة مناورات نتنياهو على احتوائه.. وعليه فإن جديد هذا الموضوع هو أنه حشر نتنياهو في الزواية؛ وبات السؤال هل ينجو نتنياهو هذه المرة؟؟.
معظم الأجوبة تجيب بالنفي؛ مع استدراك ملاحظة وهي على شكل توقع – مفاد السؤال هل يفاجأ نتنياهو الجميع بإخراج أرنب من قبعته في آخر لحظة؟؟.
الأسباب التي تدعو للاعتماد بأن نتتياهو سيسقط بالضربة الحريدية، كثيرة وليس آخرها على سبيل المثال لا الحصر أن أحد كبار زعماء الحريديم ارييه أدرعي اتهم أمس نتنياهو بأنه يخدع الحريديم بشكل واضح وأنه يكذب عليهم مثلما يتنفس، وأنه يسوف الوقت لمصلحة عدم تنفيذ وعده بتمرير قانون منع تجنيد الحريديم في الجيش؛ وعليه يجب الخروج من حكومته وإسقاطها حالاً.
والواقع أن نتنياهو لا يستطيع تمرير هذا القانون لأن تركيبة حكومته هي ذات توزيعة لا تؤيد أغلبيتها عدم تجنيد الحريديم؛ بل معظم شركاء نتنياهو في الحكومة يطالبون بضرورة أن يخدم الحريديم في الجيش.
كل مناورة نتنياهو الأخيرة تقوم على محاولته شراء وقت من هذه اللحظة حتى بدء الدورة الصيفية للكنيست التي تستمر ثلاثة أشهر، حيث حينها يقفل العمل التشريعي أبوابه فيقول نتنياهو للحريديم أعطوني فترة سماح حتى يعود الكنيست للعمل !!
لكن الحريديم اكتشفوا هذه المرة لعبته وقالوا له إما أن تفعلها الآن (أي تمرر القانون) قبل أن يبدأ الكنيست عطلته الصيفية، أو سنجعلك تدفع الثمن الآن، وذلك من خلال إسقاط حكومتك.
بمثلما ان نتنياهو محشور في زاوية وضعه على الحائط بخصوص قضية الحريديم؛ فإن زعماء الحريديم أيضاً يواجهون ضغط الوقت؛ وحقيقة ما يحدث هو أن أنصارهم الحريديميين يتلقون يومياً أوامر التجنيد، ولا يلبي منهم هذه الأوامر إلا نسبة ٦ بالمئة فقط؛ أما الباقون فإنهم يرفضون الذهاب للخدمة، ويقدر هؤلاء بعشرات الآلاف، وهم بدأوا يتلقون العقوبات المتتالية عليهم.
كبار حاخاميي الحريديم الذين بيدهم تقرير مصير هذه الجماعة اجتمعوا ونقاشوا وقرروا التالي: انتهى الوقت.. اخرجوا من حكومة نتنياهو..
ينقاد الحريديم من حزبين إثنين؛ الحزب الأول يسمى “شاس” يمثل المتدينين اليهود الشرقيين.. الحزب الثاني يمثل اليهود المتدينين الغربيين (أصولهم تعود إلى شرق أوروبا) وإسمه يهوده هتورات.
حزب شاس اتجه حالياً إلى أخذ موقف متشدد جداً لجهة رفض البقاء في حكومة نتنياهو؛ أما حزب يهوده هتورات فهو لا يزال يمنح بعضاً من الوقت لنتنياهو عسى يقدم حلاً لموضوع استعصاء تمرير قانون منع تجنيد الحريديم في الحكومة.
.. من جهته نتنياهو يبحث عن “أرنب” يرميه بوجه اللحظة السياسبة الداخلية الإسرائيلية المقفلة بوجهه؛ وأمس تم تسريب حوار مسجل بينه وبين أحد كبار حاخاميي الحريديم يحاول خلاله نتنياهو إقناع الحاخام ببقاء الحريديم في الحكومة.. قال له بيبي: يجب على الحريديمي أن يكون ممتناً لي لأنني أقلت وزير دفاعي غالانت وأرغمت رئيس اركاني هاليفي على الاستقالة لأنهما كانا أكبر عقبتين بوجه مشروعي لتمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد..
طبعاً بنظر قسم كبير من المتدينين الحريديم فإن نتنياهو يكذب على الحاخام محدثه؛ ولكن بدرجة ثانية فإن تسريب هذا الشريط أوجد حالة لغط داخل إسرائيل، ذلك انه يظهر بعد طول وقت أن نتنياهو لم يقل غالانت ولم يدفع هاليفي للاستقالة لأنه لا يثق بهما أمنياً أو عسكرياً كما قال حينها، بل لسبب له علاقة بأمر لا يخص الحرب. وهنا ظهر نتنياهو بأنه يكذب الآن على الحاخام الحريدي وكان بالأمس كذب على كل الإسرائيليين!!
لا يزال نتنياهو يحاول الإيحاء بأن إمكانية حل المشكلة مع الحريديم ممكنة، وإعلامه يواكبه بالتحريض لبقاء حكومته؛ وبالأخص قناة ١٤ اليمينية التي تجرد حملة إعلامية مكثفة تدعي فيها أنه “لأسباب وطنية إسرائيلية” يجب عدم إسقاط نتنياهو الذي يخوض سبع حروب في وقت واحد، والذي يمنع إيران من قطع مسافة الأمتار الأخيرة نحو امتلاك القنبلة النووية، الخ..
.. نقطة الضوء اليوم وربما ستظل كذلك طوال هذا الأسبوع، ستركز على استكشاف الإشكالية التالية وهي احتمال سقوط الحكومة هذا الأسبوع، والمسار التالي سيعقب وقوع هذا الحدث الكبير، حيث سيصبح من المؤكد إجراء انتخابات مبكرة نحو منتصف شهر أكتوبر القادم!!
في هذه الحالة سيدخل مجمل الوضع الإسرائيلي في مناخ جديد وهو الانتخابات؛ وأحزابه ستكون مضطرة لتغيير سلوكها السياسي بحيث تراعي اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع.
طوال الفترة الممتدة حتى موعد الانتخابات في أكتوبر القادم سيظل نتنياهو رئيس حكومة، ولكنه سيصبح رئيس بمواصفات “البطة العرجاء” وهو المصطلح الذي يطلق على سيد البيت الأبيض حينما يخسر غرفتي الكونغرس.
استطلاعات الرأي – وكان آخرها استطلاع لمعاريف – يظهر أن نسبة تتجاوز النصف من الجمهور الإسرائيلي تريد إجراء انتخابات مبكرة؛ وأنه في حال عقدت هذه الانتخابات في وقت مبكر فإن ائتلاف شركاء نتنياهو لن يحصل على أكثر من ٤٨ مقعداً في الكنيست بينما معارضيه سيحصلون على ٧٦ مقعداً.
.. ولكن هذه التوقعات عن فوز معارضي نتنياهو تطرح سؤالاً مفاده: لماذا يقوم الحكومة بإسقاط الحكومة؛ طالما أن نتنياهو بحسب الاستطلاعات لن يعود للحكم؛ وطالما أن الحكومة التالية التي ستفوز بالانتخابات ستكون من أحزاب المعارضة التي هي ضد تمرر قانون منع تجنيدهم؟!
يرد الحريديم على هذه الإشكالية بالقول: إذا عاد نتنياهو للحكم سوف يكون بحاجتنا وسيمرر حينها تحت هذا الضغط المباشر قانون منع تجنيد الحريديم وإذا جاءت المعارضة فسيخف الضغط عليهم لأن الحريديم يعتقدون أن الهجوم على موضوع تجنيدهم تقع خلفيته بأن معارضي نتنياهو يستغلون هذا العنوان للهجوم عليه شخصياً..