خاص الهديل….
بقلم: بسام عفيفي
لا يوجد لدى توماس براك حلاً سحرياً لأزمات لبنان التي تخرب استقراره؛ وهي بحسب ما ترى واشنطن: الفساد وغياب الإصلاح؛ سلاح حزب الله بل أحياناً حزب الله ذاته؛ وحالة العداء بين لبنان وبين إسرائيل؛ وأخيراً وليس آخراً حالة اللااستقرار بين لبنان وبين سورية.
ما فعله براك هو أنه الشهر الماضي جاء إلى لبنان ورمى حجراً أميركياً في المستنقع السياسي اللبناني الآسن؛ فتحركت المياه ليس لأن اللبنانيين أصحاب المستنقع اقتنعوا بأنه يجب تغيير المياه الآسنة فيه، واستبدالها بمياه صالحة للحياة معها، بل لأن الحجر الذي سقط في المستنقع اللبناني الآسن هو حجر أميركي!!.
يتم مرة بعد المرة التأكد أن لأميركا هيبتها في لبنان؛ ذلك أن الأمثولة السياسية اللبنانية تقول لا تلعب مع الأميركي، ولكنها تقول أيضاً لا تصدق وعوده.
تقي الدين بك الصلح لم يصدق أصدقاؤه الذين قالوا له في نهايات ستينات القرن الماضي أن هناك سفيراً أميركياً جديداً في لبنان لديه تعليمات من البيت الأبيض بإحداث تغيير إيجابي في بلد الأرز.
أصر حينها “تقي بك” على أن الأميركي ليس لديه سياسة جدية في لبنان. وبعد جهد تم إقناعه باللقاء به؛ وحينما تصافحا سأل تقي بك سفير العم سام قائلاً: سيدي السفير أنت هنا في لبنان من أجل أية قضية!؟.
افترت شفتا السفير عن ابتسامة صفراء وقال لمن حوله: سؤال ذكي!.
اليوم يمكن للبنانيين توجيه سؤال تقي بك الصلح ذاته إلى السفير والمبعوث الأميركي توماس براك: سيدي المبعوث أنت هنا في لبنان من أجل أية قضية؟!.
بعجالة يمكن الرد على هذا السؤال وذلك من خلال العودة إلى ما قاله توماس براك نفسه حينما مثّل أمام الكونغرس الذي سأله حول طبيعة المهمة التي كلفه بها ترامب في تركيا؛ فأجاب براك أن مهمتي هي تعزيز العلاقة بين تركيا وإسرائيل؛ وتعزيز تموضع تركيا على نحو يخدم مواجهة روسيا وإيران، إضافة للاهتمام بموضوع الطاقة.
آخر بند في كلام توماس براك هو الأهم؛ ذلك أنه قبل أيام من تسميته سفيراً في تركيا؛ وقبل أسابيع من تعيينه مبعوثاً إلى سورية؛ وقعت شركة نفط أميركية ضخمة صاحبها قريب من ترامب؛ اتفاقاً مع شركة تركيا للنفط مفاده أن هاتين الشركتين تقومان بتجميع كل الغاز في سوريا والعراق وتركيا ثم تصدره إلى جهة تناسب توجهات سياسات أميركا النفطية.
وحينما زار براك سورية بصفته مبعوثاً أميركياً إليها إلى جانب أنه سفيراً لبلده في أنقرة؛ تم أيضاً توقيع اتفاقية أميركية سورية بشأن غاز سورية.
وبعد أسابيع قليلة وصل توماس براك إلى لبنان؛ وقدم نفسه على أنه يحمل ورقة أفكار أميركية يريد طرحها على الدولة اللبنانية. وثمة من لاحظ في هذه الأثناء أنه لم يصدر أي كلام رسمي من البيت الأبيض يصف براك صراحة بأنه مبعوث ترامب إلى لبنان، وأيضاً وزير الخارجية الأميركي لم يقل ذلك صراحة؛ ولكن جرى التركيز إعلامياً على أن براك صديق حميم لترامب؛ وبدرجة تالية جرى الكلام عن أصله اللبناني. والواقع أن التقليل من دسم أنه لبناني كان مقصوداً، لأن ذاكرة اللبنانيين تحفظ حكايا غير وردية عن مهمة المبعوث الأميركي من أصل لبناني فيليب حبيب إلى لبنان بين عامي ١٩٨١ و١٩٨٣.
المهم في هذا السياق أن براك مهمته الكبرى ليست لبنان بل تركيا وسورية؛ وهو مهتم بلبنان من زاوية ارتباط بعض ملفاته بالملف السوري من جهة، والملف السوري الإسرائيلي وتحديداً موضوع شبعا من جهة ثانية؛ وخلال زيارته الأولى للبنان الشهر الماضي التقى براك وليد جنبلاط؛ وبعد أيام سافر الأخير للقاء أحمد الشرع؛ ومن هناك فجّر جنبلاط القنبلة التي يريدها براك وهي “أن شبعا أرض سورية وليست لبنانية”.
يريد مبعوث أميركا إلى سورية توماس براك أن يحصل من لبنان على ثلاث كلمات في الوقت الحالي وهي “مزارع شبعا ليست لبنانية”؛ الأمر الذي يغلق الباب اللبناني وراء مبادرته لفتح الباب السوري الإسرائيلي على تفاوض لترتيبات أمنية وحدودية بينهما.
بهذا المعنى يمكن تكرار سؤال تقي بك لبراك: سيدي المبعوث الأميركي أنت هنا في لبنان من أجل أية قضية؟!.