خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة
في السياسة هناك ما يمكن تسميته “لعنة السوابق”؛ وهي تعني أن العالم يعتاد على أن يتم تكرار حدث سابق وحتى لو كان هذا الحدث مذموماً ومداناً وغير مقبول أخلاقياً.
.. قبل عدة سنوات أقدمت أذربيجان على تهجير أرمن إقليم “قره باخ” تحت سمع ونظر العالم وبتواطؤ إقليمي ودولي واضح وبظل صمت مدوي من الأمم المتحدة..
وتم خلال التعليق الخجول آنذاك على تلك الواقعة (تهجير الأرمن)؛ إستذكار كيف أن العصابات الصهيونية (التي أصبحت لاحقاً تحمل إسم “جيش الدفاع الإسرائيلي”)، قامت عام ١٩٤٨ بتهجير الفلسطينيين فيما عرف آنذاك “بالنكبة الفلسطينية”؛ وبمناسبة تهجير أرمن قره باخ تم حينها تكرار تذكر الاستنتاج الذي يجب التوقف عنده اليوم – وفي كل وقت – والذي يفيد أنه لو العالم قمع عملية تهجير الفلسطينيين عام ٤٨ ما كان يمكن أن تحدث بعد عقود عملية تهجير الأرمن؛ ذلك لأن السكوت عن التهجير الأول خلق “سابقة” ما جعل العالم يقبل التهجير الثاني؛ كما أن السكوت عن التهجير الأخير سيخلق سوابق تجعل العالم يقبل بحصول عمليات تهجير لاحقة وأخرى.
ووفق منطق السماح العالمي بحدوث السوابق؛ يتم اليوم في إسرائيل استعادة “خطة الأصابع” التي وضعها عام ١٩٦٨ إيغال آلون ومؤداها تقطيع أواصر قطاع غزة وتهجير أهاليه على دفعات، وذلك من خلال جعل القطاع غير قابل للحياة فيه؛ وذلك بمقابل جعله آمن للاستيطان فيه.
والواقع أن خطة الأصابع التي وضعها وحاول تنفيذها آلون عام ٦٨ وفشلت حينها عاد أربيل شارون وحاول تنفيذها في ثمانينات القرن الماضي ولكنه فشل أيضاً مما اضطره إلى أخذ قرار الخروج من غزة وتركها لمصيرها. وللمفارقة أن نتنياهو يقوم اليوم بعد نحو ستين عاماً على محاولة آلون وبعد نحو ثلاثين عاماً على محاولة شارون؛ بإعادة إحياء خطة الأصابع ذاتها التي أنتجها وجربها آلون ثم عاد وجربها شارون ويعود اليوم نتنياهو لتجريبها.
في العام ١٩٦٨ سكت العالم على خطة الأصابع التي اعتبر إيغال آلون أنها قادرة على حل القضية الفلسطينية ليس من خلال حل الدولتين، بل من خلال تهجير صاحب الأرض واستيطان المحتل فيها. وفي العام ١٩٨٨ سكت العالم عن قيام شارون بتكرار ما قام به آلون؛ واليوم لا يجد نتنياهو أي حرج دولي من أن يكرر تنفيذ “خطة الأصابع” ذاتها التي تهدف لتهجير أهالي غزة بعد أن تم تدمير بيوتهم.
.. والفكرة الأساسية هنا هي أن العالم لو وقف بوجه خطة آلون نهاية ستينات القرن الماضي ما كان كرر اللجوء إليها شارون بعد عشرين سنة؛ وما كان أعلن تبنيها نتنياهو الآن بعد نحو ستين سنة..
والخلاصة التي يجب أن لا يمحوها النسيان هي أن الشعوب غالباً ما تكون ضحية سكوت العالم الحر والقادر عن الجرائم؛ لأن هذا السكوت يصبح “سابقة” قابلة لأن تتكرر!!.

