الأب الياس كرم
اللبناني، أينما حلّ في بقاع الأرض، يثبت فرادته ويترك بصمة استثنائية بفضل ما يتحلّى به من صفات تؤهّله لنيل المراكز المرموقة والجوائز المشرّفة، وتبوّؤ أعلى المناصب.
هو أينما كانت وجهته، ينجح ويحقّق خطوات مميّزة، يخلق تفاعلاً، ويجذب الانتباه بما يمتلك من علم وثقافة ومعرفة، وحنكة وذكاء، فكم بالأحرى إذا تكلّلت هذه المواهب بثقافة الدبلوماسية ونعمة الحكمة.
قلّما وُجد لبناني هاجر أو تغرّب أو عمل في الخارج، إلّا وكان النجاح حليفه. يتقن اللغات، يحسن تدوير الزوايا، ويتأقلم سريعًا مع البلاد التي يقصدها وفي شتى المجالات. ناجح هو في العالم أجمع ومكرّم، أمّا في موطنه، فغالبًا ما يُحرم من التقدير في دولة محكومة لعقلية الطوائف والأحزاب والمزارع، حيث تُدار الأمور بمنطق الشطارة والمصالح الضيّقة، ويكرّمونه عند رحيله ويعلّقون الأوسمة على نعشه.
ومع ذلك، يبقى اللبناني محلّقًا، وإن لم يتكرّم في وطنه، تأتيه الكرامة من حيث حلّ في العالم. ولعلّ المثال الأحدث ما حصل مع السفير اللبناني في روسيا الاتحادية، شوقي بو نصار، الذي منحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “وسام الصداقة”، بمناسبة اقتراب انتهاء مهمته الدبلوماسية في موسكو، وتقديرًا لجهوده البارزة في تطوير وتعزيز العلاقات بين لبنان وروسيا.
لقد قرّب السفير بو نصار المسافات بين البلدين، حتى غدا “وسام الصداقة” — وهو من أرفع الأوسمة التي تمنحها روسيا لشخصيات أجنبية — تكريمًا لكل اللبنانيين، بل ولكل العالم العربي، إذ شغل منصب عميد السلك الدبلوماسي العربي في روسيا منذ عام 2022.
هذا الدبلوماسي المخضرم، الذي تقلّد مناصب عدة قبل أن يتولى منصب سفير في موسكو، عمل بلا كلل لتعزيز الروابط بين البلدين على المستويات السياسية والثقافية والدينية. وأدرك بعمق أهمية العلاقة بين الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا ولبنان، فنسج بالتعاون مع سيادة المطران نيفن صيقلي، ممثّل بطريركية أنطاكية الأرثوذكسية في موسكو، علاقة متينة قائمة على الاحترام المتبادل والثقة الصادقة.
ولعلّ أصدق شهادة على مسيرته كانت في الحفل التكريمي الذي أقامه له المتروبوليت صيقلي، حيث أشاد بحكمته ومهنيته ودوره البنّاء في تعزيز العلاقات اللبنانية – الروسية.
لقد استحقّ السفير بو نصار هذا الوسام والتكريم عن جدارة، لما تميّز به من نشاط دؤوب ورؤية استراتيجية، وسعيه الحثيث إلى توسيع مجالات التعاون الثنائي من التعليم والاستثمار إلى التبادل الثقافي والدعم القنصلي.
إنّنا ننحني احترامًا لهذا السفير الاستثنائي، ابن الجبل الأشم، المتميّز بحكمته وعقله الراجح ومناقبيته وأخلاقه الحميدة، راجين أن يقتدي بسيرته السفراء الجدد، فيخدموا وطنهم بصدق وإخلاص، لا أولياء أمرهم ومصالحهم الضيّقة.

