خاص الهديل….

بقلم: ناصر شرارة
يوجد مئات الأيام التي مرت على لبنان وكان لها نفس مفعول الحذر الذي يشبه ما يشعر به اللبنانيون حالياً تجاه يوم ٥ أيلول 2025.. وكان ولا يزال مصدر هذا الحذر ينطلق من ثقافة سائدة في لبنان وهي أنه يترك مشاكله من دون علاج حتى تتحول إلى مرض ليس له علاج بل تصبح مقاربته هو جزء من المرض وليس جزءاً من الشفاء منه.
والواقع أن الاستحقاق الذي سيتم طرحه في جلسة ٥ أيلول يشبه قنبلة المولوتوف القابلة للإشتغال عند أي احتكاك.. ولذلك يمكن القول أن يوم ٥ أيلول الحالي بلا شك هو يوم يحمل مخاطر ويتضمن اختباراً مهماً حول ما إذا كان هناك إرادة وطنية لإدارة الاختلاف أم أن هناك نزوعاً لتحويل الاختلاف إلى خلاف وتحويل المواجهة السياسية إلى صدام أهلي.
أغلب الظن أن القائلين باستبعاد الصدام الأهلي هم محقون؛ والسبب في ذلك لا يعود لكون الموضوع المختلف عليه قابل للحل، بقدر ما يعود لأمر معروف تاريخياً يطلق عليه مصطلح ذاكرة الحرب الأهلية التي تمنع الشعوب التي مرت بحروب أهلية من تكرارها؛ لأنها من جهة اختبرت ويلاتها ولأنها من جهت ثانية رأت بالتجربة أن الصدام الأهلي يدمر ولا يحل أية مشكلة.
إذن يوم ٥ أيلول ٢٠٢٥ ستذهب الحكومة لممارسة خيار وحيد مطروح أمامها؛ وهو إدارة الاختلاف وعدم تحويل الخلاف السياسي إلى صدام أهلي.
وفي هذه اللحظة يمكن توقع سيناريو مرجح الحدوث: يجتمع مجلس الوزراء من دون أن يتغيب الوزراء الشيعة عنه؛ ثم يطرح قائد الجيش خطة حصرية السلاح..
.. حتى هذه اللحظة سيكون مشهد جلسة الحكومة عادياً؛ ولكن السؤال الحرج هو كيف ستسير مجريات الجلسة بعد عرض قائد الجيش لخطته(؟؟)؛ الجواب يتوقف على ما ستقترحه هذه الخطة؛ ففي حال اقترحت مراحل تنفيذية لحصرية السلاح، مشروطة بتوقيتات زمنية واضحة ومحددة لبداية ونهاية كل مرحلة؛ فسيكون مرجحاً بنسبة أكيدة أن يخرج أربع وزراء شيعة من الجلسة؛ ومن ثم يلحق بهم الوزير الشيعي الخامس “المستقل”؛ أما إذا تضمنت خطة قائد الجيش “توليفة ما” تؤكد من جهة أن الخطة جدية وعملية؛ وتلبي من جهة ثانية هواجس الثنائي الشيعي، فإنه يمكن حينها توقع بنسبة أكيدة استمرار جلسة الحكومة بكامل نصابها، وعدم انسحاب الشيعة منها.
.. ولكن باب سيناريوهات جلسة ٥ أيلول يبقى مفتوحاً على سيناريو مفاجئ من نوع آخر؛ مثلاً قد يطرح قائد الجيش خطة تراعي “هواجس الشيعة” ولكنها لا تلبي كل شهية مطالب القوات اللبنانية المصرة على تطبيق حصرية السلاح الآن؛ أو لا تلبي مطالب أكثر من طرف داخل الحكومة يريد روزنامة واضحة لمسار تطبيق سحب سلاح حزب الله، فحينها يمكن توقع ليس فقط سقوط جلسة ٥ أيلول بل سقوط حكومة العهد الأولى؛ ووضع البلد أمام فراغ سياسي خطر؛ وفي هذه الحالة سيكون الوضع اللبناني بكليته مرشحاً للذهاب في واحد من اتجاهين إثنين: إما الذهاب لانتخابات مبكرة وإما الانزلاق للشارع!
طبعاً هذا السيناريو الثاني مستبعد ولكنه موجود في أدراج جهات سياسية لبنانية.. قد يتم التهديد به من دون استعماله؛ ولكن أيضاً قد يتم استعماله قبل التهديد به.. والأمور هنا بكليتها مرهونة بما يسمى “بدينامية التطورات”.. ففي الكثير من الأحيان تنقاد القوى المحلية من رياح المناخ الإقليمي الساخن؛ ما يجعل خطواتها تسبق مواقفها.. مثلاً حدث “بوسطة عين الرمانة مثلاً”؛ حيث أن رياح العامل العربي والفلسطيني والدولي نفخت بالنار الداخلية المتوقدة أساساً؛ فدارت ما بات يعرف بحروب الآخرين بأيد لبنانية على أرض لبنان.
هذه التجارب تقود إلى استنتاج مهم وهو القيام المرة بعد المرة بتفحص “مكابيح بوسطة السياسة” الداخلية؛ والتأكد أنها ذات موديل مختلف عن موديل “بوسطة عين الرمانة” التي تبين عام ١٩٧٥ أنها كانت من دون مكابح ومن دون أوراق معاينة، الخ..
صحيح أن عامل ذاكرة الحرب الأهلية يؤدي دوراً هاماً في منع الشعوب التي عاشت الحرب الأهلية من تكرارها؛ ولكن الصحيح أيضاً أن البلد يمر بمرحلة سمتها الرئيسة أنه موجود في منطقة فقدت ذاكرتها القريبة والبعيدة؛ ما جعل الجنون هو كل مستقبلها؛ ولا يقلل من هذه الحقيقة الكلام والتنظير عن أن ما يحدث هو “مخاض لولادة جديدة”.. فالفكرة الأساسية والمخيفة هنا هي أنه لا يمكن بناء مستقبل على أرض تحدث عليها إبادة.. فمآساة غزة لا تصنع سلاماً للأحياء الناجين من الإبادة ولا للمجرمين الذين ارتكبوها!!

