خاص الهديل….

منذ نشأتها في مصر عام 1928، شكّلت جماعة الإخوان المسلمين ظاهرة سياسية ـ اجتماعية تتجاوز حدود بلد بعينه. فقدمت نفسها كحركة إصلاحية شاملة، جمعت بين الدعوة الدينية، النشاط الاجتماعي، والعمل السياسي. لكن ما كان نقطة قوة في بداياتها، أصبح مع مرور الزمن عبئًا عليها، إذ لم تعد الجماعة قادرة على التوفيق بين أدوارها المتعددة في ظل عالم سريع التحولات، وإقليم متخم بالصراعات.
اليوم، تجد الجماعة نفسها أمام واحدة من أعقد المعضلات في تاريخها الحديث: دعوات من الداخل السوري لحلها أو تحجيمها، وضغوط متصاعدة من الخارج الغربي لتصنيفها كمنظمة إرهابية.
المستشار الإعلامي للرئيس السوري، الدكتور أحمد موفق زيدان، لم يطرح فكرة حل الإخوان من باب الجدل النظري، بل من منطلق سياسي عملي، حين تساءل: ألم يحن الوقت لحل الجماعة في سوريا انسجامًا مع لحظة الانتقال ومقتضيات الظروف الدولية؟ هذا الطرح، وإن بدا للبعض مستعجلاً، يعكس قراءة مفادها أن الجماعة باتت عبئا على مسار بناء الدولة السورية الجديدة، خاصة في ظل حساسيات المجتمع الدولي من كل ما يرتبط بالإسلام السياسي.
لكن سرعان ما جاء حاسماً من المراقب العام لجماعة الإخوان في سوريا، عامر البو سلامة، الذي شدد على أن “ليس من المصلحة أبداً حل الجماعة في هذه المرحلة”، نافياً أي ضغوط رسمية، ومؤكدًا أن الإخوان يمتلكون المرونة الكافية للبقاء في المشهد السوري. هنا يبرز التناقض الواضح: السلطة الجديدة في سوريا تبحث عن صياغة مشهد سياسي “مُنقّى” من التنظيمات الإسلامية، بينما الجماعة تصرّ على أنها جزء من النسيج السياسي والاجتماعي، وأنها تملك شرعية تاريخية كونها واجهت نظام الأسد منذ 1962.
أما على الضفة الأخرى من الأطلسي، فالموقف يبدو أكثر جذرية. السيناتور الأميركي الجمهوري تيد كروز لم يكتفِ بالدعوة لتهميش الإخوان أو احتوائهم، بل ذهب أبعد من ذلك حين قال إن “الوقت قد حان لتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية”، واعتبر أن هذا الخيار هو البديل عن “قتل أعضائها ومناصريها”. خلفية هذا الموقف ليست جديدة، فقد سبق أن تقدّم كروز بمشروعات مشابهة، لكن الجديد هو اعتقاده أن الظرف السياسي الأميركي الحالي مؤاتٍ لتحقيق ذلك، بوجود إدارة وجمهور جمهوري متحمس لمواجهة “الإرهاب الإسلامي”، حيث تستند مبادرته إلى ثلاثة مسارات قانونية: عبر الكونغرس بإضافة الجماعة إلى “قانون مكافحة الإرهاب” الأميركي، أو عبر وزارة الخارجية بتصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية، أو من خلال وزارة الخزانة بوضعها على لائحة “الإرهاب العالمي المحدد خصيصاً”.
لكن ما الذي تعنيه هذه التطورات للإخوان المسلمين؟
أولاً، أن الجماعة لم تعد قادرة على الاستمرار في المنطقة بالمنطق ذاته الذي حكمها لعقود، وهو الجمع بين الدين والسياسة والعمل الاجتماعي.
ثانياً، أن صورتها أمام المجتمع الدولي باتت مشوّشة: بين من يرى فيها مظلة شرعية لمعارضة سلمية، ومن يصرّ على ربطها بالتطرف والعنف.
ثالثاً، أن اللحظة السورية تحديدا قد تكون نقطة اختبار: إما أن تندمج الجماعة في صيغة سياسية أوسع وأكثر مرونة، أو تواجه خطر التصفية ـ سياسياً إن لم يكن وجودياً.
وعليه فإن المعضلة الحقيقية ليست في الدعوات السورية لحل الجماعة ولا في محاولات أميركية لتصنيفها، بل يمكن القول أنها في فشل الإخوان حتى الآن في تقديم نموذج محدث يثبت قدرتهم على التعايش مع الدولة الوطنية الحديثة. فقد ظلوا أسرى خطاب قديم، وازدواجية بين المعارضة والمشاركة، وبين الدعوة والسياسة.

