خاص الهديل…
كهرمان
ما جرى يوم الأحد في بيروت، حين نفذت إسرائيل اغتيالاً نوعياً استهدف أحد أبرز القادة العسكريين في حزب الله، رغم نفي واشنطن معرفتها المسبقة به، لاقى صدىً إيجابياً لديها، فكما تكشف صحيفة هآرتس العبرية عبر تصريحات مسؤولين أميركيين أنهم أبدوا تفهّماً للرؤية الإسرائيلية في التعامل مع الحزب، بل وانسجاماً معها.
فرنسا، التي تعرّف نفسها كـ”حامية الاستقرار” في لبنان والضامن الغربي لآلية التنسيق العسكري بين لبنان وإسرائيل، امتنعت بدورها عن إدانة الضربة. وبرغم انزعاجها من بطء الدولة اللبنانية في معالجة الملف الأمني، فإن موقفها – وفق قراءة هآرتس – يعكس إعادة تقييم لدورها وحدود تأثيره.
خلف كل ذلك، تظهر فوضى متزايدة في السياسة الأميركية تجاه لبنان. فبعد موافقة الحكومة اللبنانية في أغسطس على الخطة الأميركية لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام، خرج المبعوث الأميركي توم باراك بخطاب متفائل، داعياً إسرائيل للقيام بواجبها والانسحاب من المواقع الخمسة داخل لبنان. لكن إسرائيل تجاهلت هذا الالتزام، ومع مرور الوقت، غيّر باراك لهجته، فوصف لبنان في مؤتمر البحرين بأنه “دولة فاشلة”، مشككاً في قدرة جيشه على تنفيذ أي خطة جدية.
وتشير هآرتس إلى أن باراك تراجع لاحقاً عن الانخراط المباشر في الساحة اللبنانية، تاركاً الملف للسفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، ولعودة مورغان أورتاغوس بقوة إلى بيروت. وفي المقابل، أعادت إسرائيل توزيع صلاحيات الملف بعد استقالة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، لينتقل إلى أيدي القائم بأعمال مستشار الأمن القومي جيل رايش، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يحيئيل ليتر، في خطوة تعكس – كما تقول الصحيفة – توافقاً بنيوياً بين واشنطن وتل أبيب حول الأسلوب الأنسب للضغط على لبنان.
من وجهة نظر واشنطن اليوم، كما تنقل هآرتس، فإن الضربات الإسرائيلية ليست مجرد ردود عسكرية، بل أدوات ضغط قد تدفع الرئيس جوزاف عون والجيش اللبناني إلى خيارين لا ثالث لهما: الانجرار إلى مواجهة لا يريدها أحد، أو الدخول في مسار تفاوضي مباشر مع إسرائيل، يمكن أن يصل – وفق الرهان الأميركي – إلى حدود التطبيع والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام.
إسرائيل تشارك هذا التوجّه بالكامل، وترى أن الانسحاب من المواقع الخمسة في الجنوب ليس وارداً قبل رؤية خطوات عملية لتقييد قدرات حزب الله. ورغم وضوح هذه الرؤية، تتجاهل – كما تلاحظ هآرتس – أسئلة بنيوية في الواقع اللبناني:
هل يستطيع الجيش اللبناني مواجهة حزب الله دون دفع البلاد نحو انقسام داخلي؟
وهل بإمكان الرئيس عون أن يجلس على طاولة مفاوضات علنية مع إسرائيل في بلد تنقسم ساحته السياسية والطائفية بشدة حول هذا الخيار؟
فرنسا تدرك هذه المعادلة الدقيقة، وتحاول اللعب على خطين: انتقاد واضح لأداء الدولة اللبنانية، وخوف أكبر من أن يؤدي الضغط المفرط إلى انهيار الاستقرار الهشّ. وتقول هآرتس إن هذا النقاش سيطفو قريباً خلال زيارة أورتاغوس إلى باريس.
أما مصر، فتلعب دوراً معاكساً تماماً. فزيارات وزير خارجيتها بدر عبد العاطي ورئيس مخابراتها حسن رشاد إلى بيروت وتل أبيب، تعبّر – كما تنقل الصحيفة – عن محاولة جادة لمنع الانزلاق نحو منطق “السلام بالقوة”، الذي ترى القاهرة أنه لا يُنتج نتائج سياسية.
وفي المحصلة، يختصر خبراء إسرائيليون مثل رئيس برنامج الشرق الأوسط في معهد “ميتفيم” المشهد بكلمات واضحة:
إسرائيل تشترط نزع السلاح قبل الانسحاب،
لبنان يطالب بالانسحاب قبل أي نقاش،
حزب الله يرفض نزع السلاح أصلاً،
والولايات المتحدة تربط كل شيء ببدء التفكيك.
حلقة مغلقة لا تفضي إلى أي مكان، فيما تراهن واشنطن وتل أبيب – وفق تقييم هآرتس – على أن إنهاك حزب الله سيجبر الرئيس عون على قبول “عرض لا يستطيع رفضه”.
لكن يبقى السؤال الأعمق:
هل يملك الرئيس عون القدرة أو الهامش لقبول هذا العرض أساساً؟