كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
في مشهد مقزز، تحاصر أكوام النفايات المتراكمة في الحارات والأحياء وأمام مداخل المنازل وبين الأزقة أبناء صيدا القديمة، تفاقم معاناتهم مع انقطاع الكهرباء والمياه وغياب أدنى خدمات الدولة، في ظل الأزمات المعيشية والاقتصادية الخانقة والغلاء وارتفاع الأسعار. تراكم النفايات سببه توقف عمال شركة جمع النفايات عن رفعها بالسرعة المطلوبة بسبب البطء بإدخال الشاحنات أو بأعداد محدودة إلى معمل فرز النفايات الصلبة في سينيق تحت ذرائع مختلفة والحديث عن إقفاله ثلاثة أيام في عطلة عيد الأضحى المبارك، ما يعني إبقاء أطنان النفايات مرمية بلا رقيب أو حسيب رغم كل المناشدات.
ومعاناة أبناء البلدة هذه المرة خطيرة، وتهدد العائلات وأطفالها بصحتهم وسلامتهم، إذ لا تقتصر معاناتهم على الروائح الكريهة والبرغش والعقص فقط، بل تتعدّاها إلى انتشار الديدان من النفايات بسبب تراكمها أياماً وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وانقطاع التيار الكهربائي والمياه واضطرار قاطني البلدة لعدم إقفال النوافذ وبالتالي تعرض الأولاد الى لدغات مختلفة مع ظهور بقع حمراء صغيرة وحساسية على أجسادهم.
وتقول الحاجة فاطمة عدلوني لـ»نداء الوطن»: «ان الوضع لم يعد يطاق، لا مياه ولا كهرباء ولا رفع نفايات، لقد تحولت حياتنا جحيماً ولا نستطيع إقفال النوافذ بسبب الحرارة والرطوبة، بدأنا نجمع الاموال من بعضنا البعض لرفعها ولكن الضائقة المعيشية حالت دون استكمال الموضوع، فأين المسؤولون؟». في أحد الأزقة الضيقة والمليئة بالنفايات التي تفوح منها الروائح الكريهة، تقف الطفلة آمنة حسن بيضاوي مصابة بالزكام، تضع يدها على أنفها، ترفع الكنزة عن يديها لتظهر ما تعرضت له من عقص الحشرات، وتقول لـ»نداء الوطن»: «ما ذنبي كي لا أنام في الليل بسبب العقص، والديدان بدأت تنتشر قرب المنازل ولا نستطيع إقفال النوافذ بسبب الحر والرطوبة»؟
وتؤكد مريم يحيى سلامة «لم نعد نغمض عيوننا ليلاً، الدود يسرح في الأرض، والبرغش ينتشر في المكان، وولدي يعاني كهرباء في الرأس وعندما اقفل النافذة يعاني ضيق التنفس ولا نملك المال لشراء الدواء له، معاناتنا مضاعفة بلا كهرباء ومياه، حاولنا جمع المال لرفع النفايات على نفقتنا الخاصة، ولكن كثير من العائلات لا يملكه، البعض عاطل عن العمل والبعض الآخر مريض ويقتات على المساعدات، إنه الموت بعينه ومن دون صراخ».
معاناة الصيداويين ليست محصورة في صيدا القديمة، وإنما تمتد إلى كامل أحياء المدينة، ولسان أبنائها يلوك حديثاً واحداً، لا يخلو من عتب كبير على القوى السياسية، يتساءلون عن مصير المؤتمر العام الذي يجري التحضير لعقده في بلدية صيدا لمحاكاة قضاياهم وأوجاعهم وتخفيف معاناتهم في ظل الأزمات المعيشية، لماذا لم يعقد بعد؟ هل هناك عقبات تحول دونه، ولماذا كل هذا الانتظار الذي يفتح الباب أمام المزيد من الأعباء والفوضى وتحكم المافيات والتي تنذر بانفجار اجتماعي؟».
ويؤكد المسؤول السياسي لـ»الجماعة الإسلامية» في الجنوب الدكتور بسام حمود لـ»نداء الوطن» ضرورة تشكيل حاضنة سياسية واجتماعية للمدينة تقف إلى جانب الأهالي وتبحث في سبل تخفيف الأزمة ومعالجة المشاكل المستعصية والوقوف في وجه كل من يستغل غياب الدولة للتشبيح على المواطن»، مشدداً على «أن الوقت الآن للتكاتف وليس التنافس، والنَّاس ينظرون إلينا وينتظرون منا ما يمليه علينا موقعنا، ولكن للاسف لا شيء ترجم على أرض الواقع حتى الآن، وأدعو كل المرجعيات مجدداً الى تشكيل خلية أزمة طارئة لأن الوقت وقت العمل ولا يحتمل الانتظار أو التنافس أو المناكفات».
النائب أسامة سعد الذي اطلق مبادرة لجمع القوى والفاعليات ووضع خارطة طريق للمعالجة، لم يتوان عن التحذير من الفوضى في تسعيرة المولدات، اتصل بالرئيس نجيب ميقاتي، وطالبه بتحريك أجهزة الدولة ومؤسساتها لحماية المواطنين من تعسف أصحاب المولدات والفواتير الظالمة والمخالفة لتسعيرة وزارة الطاقة، كما تقدم بإخبار إلى المدعي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان ضد أصحاب المولدات الذين يخالفون التسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الطاقة، مطالباً باتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بإلزامهم بها وعدم مخالفتها، لافتاً إلى النتائج الخطيرة على الاستقرار التي قد تنتج عن مواصلة أصحاب المولدات ممارسة الظلم والإجحاف والتعسف بحق المواطنين.
في المقابل، تابع النائب الدكتور عبد الرحمن البزري موضوع انقطاع التغذية الكهربائية والمائية عن صيدا ومنطقتها، واستمرار معاناة المواطنين في ظل عدم تقيّد أصحاب المولدات بالتسعيرة الرسمية، وعدم التزامهم بما يصدر عن وزارة الطاقة. وأجرى اتصالات بوزيري الإقتصاد والتجارة أمين سلام والطاقة وليد فياض ورئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان كمال الحايك وسامر العبدالله، من أجل زيادة ساعات التغذية الكهربائية، خصوصاً أن المدينة القديمة الأثرية بلا كهرباء ومياه منذ أسابيع وتوقف المولدات الكهربائية عن العمل في تلك المنطقة يُعرّض الناس لخطر الأمراض والجفاف.