-خاص الهديل –
اكثر من مرة، رفع في لبنان شعار ” الجيش هو الحل”، وذاك بوصفه خارطة طريق للانقاذ من أكثر من ازمة المت ببلد الارز في فترات مختلفة.
لا يختلف لبنانيان على رفض ان يتم حكم لبنان بأسلوب الانقلاب العسكري.. واكثر من ذلك، بات واضحا أن لبنان هو بلد لا يمكن تغيير الأحوال فيه؛ لا ” بالثورة ” ولا “بالانقلاب العسكري” .. ف ” الثورة في لبنان ليست طريقة ” ، كما يقول فرنسيون يعرفون لبنان جيدا، و” الانقلاب العسكري” في لبنان، ليس خارطة طريق إصلاحية، كما يقول قائد الجيش في لبنان نفسه، قبل أن يقول ذلك سياسيين متباكون على الديموقراطية.
.. ولوضع النقاش حول المقصود ب” خيار الجيش هو الحل” في لبنان، في نصابه، يجدر التنويه هنا إلى انه في كل مرة يتم طرح هذا الشعار او الخيار ، يتم الحديث حصرا عن ” مثل فؤاد شهاب” وذلك انطلاقا من التركيز على ثلاثة افكار رئيسة:
الاولى هي التركيز على ” مثل” فؤاد شهاب المناقبي والشفاف و” الادمي” ،
والثانية على ” فكرة ” فؤاد شهاب الذي حافظ على الجيش في خلال فوضى ثورة ال ٥٨ ، كما حافظ على الدولة وبتاها خلال وجوده كرئيس للجمهورية . ففكرة فؤاد شهاب تركز على انه بنى مؤسسات الدولة اللبنانية المدنية الحديثة، والذي رفض التجديد له في رئاسة الجمهورية، والذي كان السياسي الأكثر ديموقراطية حينما أصبح رئيسا للجمهورية، والعسكري الأكثر حرصا على بقاء الجيش في كنف مشروع وقرار الدولة المدنية الديموقراطية الدستورية حينما كان بموقع رئاسة قيادة الجيش.
ثالثا – التركيز على فكرة ان فؤاد شهاب لم يدخل بعربة الدبابة إلى القصر الرئاسي، بل وصل للرئاسة كمرشح مدني مزود بمشروع سلوكي مناقبي اختبر اللبنانيون اصالته خلال فترة وجود شهاب على رأس قيادة الجيش. .
وتكمن الفكرة هنا في أن فؤاد شهاب حمل معه مناقبية الجيش إلى داخل موقع الرئاسة والى داخل القرار السياسي، ولكنه لم يعسكر الرئاسة ، ولا قصر بعبدا، تماما كما أنه لم يسييس قيادة الجيش ولا اليرزة.
والمقصود هما للانصاف هي الفترة الاولى من الشهابية وليس فترة المكتب الثاني.
..فاذن هناك في لبنان معنى شهابي مدني ” لخيار الجيش هو الحل” ، وهو يعني خيار تحرير الدولة من فساد السياسيين الفاسدين ، وجعل المناقبية السائدة داخل مؤسسة الجيش تنتقل مع قائد الجيش بعد ان يصبح رئيسا للجمهورية إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية.. وعليه، فان المعنى الشهابي الخيار قائد الجيش كمرشح لرئاسة الجمهورية، هو بالمطلق غير المعنى العسكرتاري الانقلابي الذي ساد في دول عربية كثيرة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، وايضا هو غير ” المعنى العوني” الذي خلط بين الجيش والسياسة في مرحلة معينة.
وبكلام اوضح، فإن “خيار الجيش هو الحل في لبنان”، لا يعني انتظار البلاغ رقم واحد، ولا يعني احتلال الجيش للإذاعة والتلفزيون، والقصور الرئاسية، بل يعني انتقال مناقبية قائد الجيش من خلال شخصه، إلى موقع رئاسة الجمهورية ؛ وتعني انتقال روحية الشفافية كما ترجمها داخل قيادة الجيش الى المؤسسة الاولى ومؤسسات البلد الدستورية ، وتعني ايضا – وهذا هو المهم أيضا- الاستثمار الوطني والثمين في ثقة الناس بقائد الجيش الناجح ، الذي حافظ على الجيش وعلى ومناقبيته وديموقراطيته برغم كل الصعاب .
ان سر ما ينقص مشروع إعادة بناء الدولة، هو ” الثقة”؛ اي ثقة الناس بالمسؤول ؛ ثقة الناس بالمصارف ؛ ثقة الناس بالمستقبل ؛ ثقة الناس بكل الاحزاب؛ وحدها الجهة التي لم تخسر ثقة الناس بها هي الجيش ، ووحدها المؤسسة الوطنية التي لم تخسر ثقتنها بقيادتها، هي الجيش.. ومن هنا فإن الثقة بالجيش هي أهم عامل لاستمرار ما نشهده من استقرار ، وذلك قبل ضمانات العالم كله.. كما ان نموذج قائد الجيش ” الآدمي ” والموثوق به من الرأي العام ، هو اخر ما تبقى من فرصة لبناء ثقة بين الناس والمواطن من جهة والمسؤول والدولة من جهة ثانية .
المطلوب ليس” مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية ” ولا ” مرشح الأقوى في طائفته” ، بل مرشح يحمل سر الكنز الثمين للحل والذي لا يزال مفقودا ، وهو “عامل الثقة” بين الناس ورأس الدولة ، ، وعامل الثقة من قبل الناس بتجربته في المؤسسة الأكثر وطنية في البلد وهي الجيش .. المطلوب رئيس ” فخامة الثقة”، الذي من دونه لا يمكن استعادة ثقة المواطن بالدولة ولا بمؤسساتها؛ والذي من دونه – اي عامل الثقة – لا يمكن توقع تفاعل المواطن مع اي إصلاح، ولا ثقة خارجية او داخلية بلبنان.
يشيع في هذه الفترة مصطلح ” المرشح الطبيعي لرئاسة الجمهورية “، ويعتمد الذين يطلقون على أنفسهم هذا المصطلح واحد من مقياسين اثنين ، علما ان هذين المقياسين فشلا على أرض الواقع :
المقياس الأول – نتائج الانتخابات النيابية في طائفتهم؛ حيث فيما لو سبقت اية جهة بقية المرشحين بمئات الاصوات، فانها – اي هذه الجهة – تعتبر نفسها بأنها باتت من بين الزعماء الأقوى في طوائفهم . ولكن هذا المصطلح ( الاقوى في طوائفهم) كان درج الكلام عنه خلال هندسة ” التسوية الرئاسية” التي سقطت، والتي يعتبرها الشعب مسؤولة عن انهيار البلد بكل طوائفه، ومسؤولة عن انهيار الدولة على رأس كل مؤسساتها. وعليه فإن ” مصطلح الأقوى في طائفته” لم يعد لديه شرعية ومصداقية.
المقياس الثاني هو اعتماد هؤلاء المرشحون الطبيعيون للرئاسة، على انهم جزء من نادي الطبقة السياسية التي ولد أفرادها وفي افواههم ملعقة سياسية من الذهب.. والواقع أن هذا النوع من المرشحين للرئاسة باتوا يمثلون مرحلة استنزفت واستهلكت شعبيا، وتعاني من موت سريري حتى لو حافظت بفضل قانون الانتخاب والهيمنة المذهبية على وجودها خلال الانتخابات الاخيرة.
يبقى الرئيس المطلوب هو ” فخامة الثقة” ، اي الذي يحظى بثقة في الداخل أساسا ومن ثم في الخارج والإقليم.
.. “فخامة الثقة ” هو الرئيس المطلوب بإلحاح ، كون ما ينقص لبنان كي ينهض بمشروع الإصلاح فيه، هو عامل أساسي قبل توفر المال ، وهو عامل استعادة الثقة بين مواطنيه وبين من يجلس وراء طاولة اتخاذ القرار في الدولة ..
.. و كون عملية بناء الثقة تحتاج إلى دليل عملي في بلد أصبح الموطن فيه لا يثق الا بعد وضع إصبعه على الحقيقة، فان كثيرين يروا ان من يرشح قائد الجيش كما هو معروف لرئاسة الجمهورية ليست قيادة الجيش، ولا الاعلام، ولا لوبي يعمل له، بل تجربته داخل الجيش هي التي تقدمه كرئيس ” فخامة الثقة”.. وأهمية هذه الميزة ( اكتساب الثقة) هي التي تجعله مرشحا طبيعيا ضمن ظرف المرحلة الوطنية التي يعاني فيها “الحل الانقاذي” من “نقص حاد في مناعة ثقة الناس” بالمسؤولين السياسيين التقليديين وحتى غير التقليديين.
الرئيس ” فخامة الثقة ” لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب سياسية ، وهو ليس من نادي المرشحين الأقوياء في طوائفهم، وحتى هو ذاته لا يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية ، ولكن حاجة البلد الملحة لإيجاد مرشح يستطيع اسمه وتجربته ان تبني ثقة بين الناس وبين المسؤول في رأس الدولة، وبين الناس بين ثقتهم بالمستقبل، هي التي ترشحه لرئاسة الجمهورية .