كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
استغرب مسؤول مالي معني، انزلاق الجدل المتصل بمذكرة السياسات الاقتصادية والمالية إلى مستوى التلويح بالتقاضي محلياً ودولياً تحت لافتة «حماية حقوق المودعين»، فيما يدرك الجميع أن حجم الفجوة المالية الذي يتعدى 75 مليار دولار يتعذر تحميله بأي مقاربة موضوعية على طرف واحد من رباعي الدولة و«البنك المركزي» والجهاز المصرفي والمودعين، بينما يهدد الاقتراح بشطب 60 مليار دولار من توظيفات المصارف لدى البنك المركزي، بتقويض النظام المصرفي ومؤسساته وتبخر الجزء الأكبر من حقوق المودعين.
ولاحظ المسؤول، أن الجدليات الجانبية المتصاعدة تتسم بالعقم عموماً، كونها تتناقض تماماً مع التوجهات الجديدة لدى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي وعد بإدخال تعديلات واقتراحات تراعي قاعدة التوزيع العادل للخسائر وتقديم صياغة منقحة للمذكرة إلى لجنة المال والموازنة، وبالتالي «يتوجب التريث إلى حين إنجاز المقترحات الجديدة والتدقيق بفاعليتها وجدواها»، علما بأن التباري الخطابي يقفز فوق الحقائق المرة لواقع شبه انعدام الملاءة المتوخاة، واقتصار الإمكانات المالية المتاحة لدى «الثلاثي» المعني بالمسؤوليات القانونية، على سيولة فعلية لا تتعدى نسبها المجمعة 20 إلى 25 في المائة من الودائع، ولا تعادل حتى التزام الحكومة بحماية 100 ألف دولار من كل حساب مصرفي.
ويزيد من حال الارتباك والتوقعات القاتمة، تركيز الاهتمامات الداخلية على الاستحقاقات الدستورية الداهمة حكومياً ورئاسياً إلى جانب ترسيم الحدود البحرية، في ظل خلافات مستحكمة تظلل هذه الملفات، مما سيؤدي حكماً إلى تأخير إضافي في رفع الملف الإنقاذي النهائي إلى إدارة صندوق النقد، وبالتالي الاستمرار بتغليب الإنكار وسياسة الهروب المتعمد من موجبات الإصلاحات الهيكلية والبنيوية كسبيل وحيد للخروج من الانهيارات الدراماتيكية المستمرة بفعل سلسلة الأزمات غير المسبوقة محليا والفريدة دولياً، والتي تكاد تقوض كامل الركائز الاقتصادية والنقدية والمالية للبلاد، ودفعت أكثر من 80 في المائة من السكان دون خط الفقر.
وفي المستجدات المتصلة، ترأس الخميس نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب اجتماعاً في مجلس النواب مع عدد من الخبراء القانونيين والمتخصصين في الشؤون المالية والاقتصادية والمصرفية وممثلين عن الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف والمودعين، وذلك «بهدف الاستماع إلى آراء أصحاب اختصاص يمثلون عددا من المكونات المعنية والفاعلة في الشأن الاقتصادي والمالي والمصرفي والقانوني، بالإضافة إلى ممثلين عن المودعين وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية تمهيداً لوضع تقرير استشاري بنهاية اللقاءات لتسهيل مسار دراسة القوانين ووضعها بتصرف النواب للاستفادة منها عند مناقشتها في اللجان النيابية المشتركة».
بدوره، كشف رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير عن إعداد خطة بديلة لخطة التعافي التي أعدتها الحكومة، وستعرضها الهيئات على رئيس الحكومة اليوم الجمعة، مؤكداً أن الكلام عن إرجاع أموال المودِعين مجرد شعارات في حال عدم السير في إنشاء صندوق سيادي.
ونوه بوجود خسائر بقيمة 80 مليار دولار، ولا أحد يجرؤ على تحملها، في حين أن توزيعها يجب أن يكون بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، وعلى الأفرقاء الثلاثة الجلوس سوياً للبحث عن مصادر لتغطية هذه الخسائر، وأبرز الخيارات وأهمها هو إنشاء صندوق سيادي يتغذى من إدارة القطاع الخاص لمرافق الدولة، عندها ستتحسن الإيرادات بوفرة من جهة، وتعود الكفاءات اللبنانية إلى العمل في بلدها الأم.
وتوقع شقير في تصريح لوكالة الأنباء «المركزية»، أن يقبل الرئيس ميقاتي بخطة الهيئات، «كون الجانبين يتوافقان على مبدأ عدم تحميل المودِعين أي مبالغ»، مشدداً على النقطة الأهم وهي «إعادة الثقة التي تتأمن اليوم «بالقطارة»، فإذا حملنا العبء كاملاً على المودِعين فسوف نقع في مشكلة، وكذلك في حال وضعنا العبء على كاهل المصارف وحدها فهناك مشكلة كبرى، فالقطاع المصرفي قلب الاقتصاد، إذ لا اقتصاد دون قطاع مصرفي».
وفي سياق متصل، لفت أمين عام جمعية المصارف في مداخلة إلى أنه «في وقت تعيد الدولة حساباتها لناحية تصويب خطة التعافي الاقتصادي، تصر جهات أخرى تدعي الدفاع عن حقوق المودعين على اعتماد إفلاس المصارف كسبيل لإعادة الودائع، فإذا بهم يضيعون البوصلة وكأن الإفلاس هو الهدف». وأشار إلى أن «الحكومة بدأت تعي المسؤوليات من خلال تعديلات تقوم بها حاليا على خطتها السابقة، على أمل أن تأتي النتائج بقدر التوقعات». ومن التعديلات المطروحة، استحداث صندوق «التعافي» لاستعادة الودائع والذي يعتمد على مكونات عدة قد تفي بالغرض في حال ترافقت مع إصلاحات جوهرية على جميع الصعد. وفي الوقت عينه، قال: «نرى البعض يغفلون عن قصد، عن أي خطط إنقاذية وموارد مستقبلية للدولة ويضعون نصب أعينهم إفلاس المصارف لأهداف شعبوية كونها في الخط الأمامي بمواجهة المودعين».