الهديل

الاقتطاع الكبير

:كتب زياد شبيب في جريدة النهار

بالنظام

منذ بداية الأزمة المالية الحالية دخلت في التداول عبارات مثل “#الفجوة المالية” و”خسائر #القطاع المصرفي” وأصبحت من المسلمات. وتلازمت معها عبارات أخرى تم ضخّها في الرأي العام كحلول للفجوة والخسائر المشار إليها. ولأنها معدّة لتكون حلولاً للمشكلة جاءت العبارات بظاهرٍ طابعهُ تقني علمي لكي تكون لها المفاعيل النفسية الأكبر في أذهان العامة، فكثر الحديث عن الـ hair cut و الـ capital control والـ bail in وغيرها.

قانون ضبط الرساميل كان متوجباً إقراره منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة، ولكنه لم يكن مناسباً للنافذين في السياسة والمصارف، لأنهم فضلوا القيام بفرض منع التحويلات على عموم المودعين بقوة الأمر الواقع والاحتفاظ بحرية التحويل لهم، فتم إهماله إلى أن تكاثرت الدعاوى القضائية التي أقامها المودعون وبدأت الأحكام تصدر هنا وفي الخارج، فأصبح النافذون يطالبون بإقراره للتمكن من الاستمرار باحتجاز الودائع بحماية تشريعية.

خطّة الحكومة “للتعافي المالي والاقتصادي”، التي أقرّها مجلس الوزراء بتاريخ 20/5/2022 وضمّنها وثيقة بعنوان “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي”، تضمنت ما يقصد بالفجوة المالية، بنظر القابضين على أموال الناس والعاملين على شطبها لمحو ما اتفقوا على تسميته “الخسائر”. والفجوة كما جاء في الوثيقة هي رأس المال السّلبي في مصرف لبنان الذي يُقدّر، بحسب التقديرات الأولية، بمبلغ يزيد على 60 مليار دولار، وهو يمثّل الفجوة بين موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والتزاماته تجاه المصارف بهذه العملات.

لم يُطرح السؤال عن حقيقة هذه الفجوة أو عن واقعية الحديث عن خسائر. والتعريف الوارد في خطة الحكومة يبيّن أن الفجوة ما هي إلّا الحالة المالية للمصرف المركزي الناتجة عن حجم التزاماته تجاه المصارف ولا شأن لهذه الحالة ولا تأثير على الحقيقة القانونية المتمثلة بحقوق المودعين. فالمصرف المركزي مدين بالأموال للمصارف ولا يمكنه أن يتنصل من هذه الالتزامات. والمودعون هم مالكو الأموال المودعة في المصارف وهذه الأخيرة مدينة بها للمودعين مهما كان وضعها ومهما كانت توظيفاتها والمخاطر التي أخذتها. أما الغرابة القصوى ففي عبارة “خسائر القطاع المصرفي” لأن هذا القطاع لم يحقق سوى الأرباح كما كان ينشر في الإعلام على مدى السنوات الماضية. وإذا كانت تلك الخسائر محققة فعلاً، وهذا غير صحيح، فكان لزاماً أن يصار إلى تطبيق القوانين النافذة التي ترعى أوضاع المصارف المتعثرة أو تلك المتوقفة عن الدفع، لا سيما قانون العام 1967 وتعديلاته، وهذا ما لم يحصل.

الفجوة والخسائر المحكي عنها ما هي إلا جزء من خطة بدأ تنفيذها منذ بداية الأزمة، تقوم على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة للقطاع المصرفي والطبقة السياسية معاً، وهكذا تقرر منع المودعين من الوصول إلى أموالهم أو تحويل بعضها لحاجاتهم الحياتية البديهية، للوصول بهم إلى قناعة نفسية بأن أموالهم تبددت وأن الودائع غير موجودة، تمهيداً لشطب القسم الأكبر منها وبالتالي تحقيق أرباح تاريخية للمصارف وتمكين الطبقة السياسية من شطب القسم الأكبر من الدين العام والتفلت من المحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة.

الفجوة والخسائر غير موجودتان قانوناً، أما الودائع فوجودها ثابت بقوة القانون. وحاكم المركزي يؤكد أنها موجودة وهو على صواب من الناحية القانونية لأنه يعلم بأن التزامات المصارف لا يمكن التنصل منها.

رهانهم هو على وجع الناس واستسلامهم مع الوقت تمهيداً للاقتطاع الكبير. وحماية الودائع تكون بوعي المودعين وصبرهم وتمسكهم بحقوقهم.

 

Exit mobile version