للسنة الثانية على التوالي منذ بداية الأزمة الإقتصادية والإنهيار في العام 2019 أي قبل ثلاثة أعوام، تودّع العائلات الطرابلسية والعكارية تقليداً أساسياً من تقاليد العيد، إنه المعمول لا سيما ذلك الذي يتم صنعه في البيوت، فله مذاقه الذي لا يضاهيه اي مذاق آخر.
في محلات الحلويات في الشمال تخطّى سعر كيلو المعمول من الحجم الصغير الـ 300 ألف ليرة وفي بعض المحلات الأخرى الـ 400 ألف ليرة، وكلما كبر حجم قرص المعمول كلما زاد سعره. وليس الوضع بأفضل لمن أرادوا صنع المعمول في البيوت، ففي حسبة بسيطة فإن تكلفة صنع أكلة معمول العيد بأنواعه (الفستق، الجوز، التمر ..) لعائلة تتراوح بين 4 و 10 أشخاص (عائلات عكار وطرابلس)، و»الحَماة» التي تريد أن تصنع المعمول لبيتها وتحسب حساب «الكناين»، فإن الحسبة ستتجاوز الثلاثة ملايين ليرة لطبخة معمول بحدود 4 أو 5 كيلو، وإذا ما حسبت حساب الضيوف في العيد فإن الحسبة ستكون أكثر من ذلك بكثير. يكفي أن نشير إلى أن سعر كيلو الفستق الحلبي يتجاوز الـ 500 ألف ليرة، ناهيك عن سعر الزبدة والسميد والطحين والسكر وباقي المكونات.
تقول هدى من عكار: «في عيد الأضحى الماضي وكان الدولار بحدود 20 ألف ليرة حضّرت المعمول بالفستق والجوز 6 كيلو لبيتي ولزوار العيد وتجاوزت التكلفة المليون ونص مليون ليرة. في عيد الفطر لم نحضر معمولاً بهدف التوفير، ولكن من أجل هذا العيد أجريت أنا وزوجي حسبة للمعمول لأن العيد لا يحلو من دونه، وإذا بالكلفة تتجاوز الـ 3 ملايين ليرة لبنانية فعدلنا عن الفكرة على الفور مع أن الأولاد يستمرون بطلب المعمول فهم اشتاقوا للأكلة ولا يحلو العيد من دونها أعتقد أننا سنلجأ إلى شراء كيلو واحد جاهز من محلات الحلويات لأجل الأولاد لا أكثر».
إلى ذلك، عائلات كثيرة لم تتمكن هذه السنة من شراء ملابس العيد الجديدة للأطفال. بعضهم اكتفى بملابس عيد الفطر والبعض الآخر لم يشتر ملابس لا في الفطر ولا في الأضحى، لأن الأسعار على الدولار في السوق والدولار من الجيوب مفقود باختصار إن أجواء العيد هذه الأيام لا تشبه الأعياد السابقة في شيء، حتى الأطفال الذين يفرحون بالعيد وينتظرون أجواءه وطقوسه حرموا من كل ذلك من دون ذنب لقد حرمت الأزمة الإقتصادية الخانقة اللبنانيين الكثير من العادات والتقاليد وكذلك العديد من الأكلات التي كانت تزين موائدهم ومناسباتهم. هذا الأضحى ستكون موائد الشماليين من دون لحم لتعذر ذبح الأضاحي لارتفاع أسعارها، وأعياد الناس بلا معمول لارتفاع أسعار مكوناته. هكذا باتت حياة اللبنانيين أشبه بطبخة بلا ملح… يحاولون تمرير الوقت بأي شيء وأقل شيء وهم يعيشون على أمل أن يستمروا إلى يوم قادم سيكون أجمل ويحمل لهم الأفضل. فهل سيطول ذاك اليوم؟!.