الهديل

انتهت مرحلة “الرئيس القوي” وبدأت مرحلة “الرئيس الضعيف”

حكومة او لاحكومة؟

هذا السؤال المطروح اليوم ليس نابعاً مما يمكن ان تنجزه الحكومة الجديدة في حال شكلت، خصوصا وان ثمة ما يشبه الاجماع على انها لن تستطيع الاقدام على اية خطوة نوعية خلال الاشهر الثلاثة المتبقية من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.

السؤال نابع مما يمكن ان تعبر عنه الحكومة الجديدة في حال شكلت بالطبع من مؤشرات على مستوى الداخل وعلى مستوى العلاقة مع الخارج ، وانعكاس هذا الامر على ملفات وقضايا عديدة وفي مقدمتها استحقاق الانتخابات الرئاسية التي يبدأ موعد جلساتها في الاول من شهر ايلول – سبتمبر المقبل.

في الاجابة على هذا السؤال، كان لافتا ان لا احد من القيادات البارزة في البلاد يملك جواباً عليه. ومن خلال جولة استطلاعية اجرتها “الشراع” عبر اتصالات اجرتها مع ممثلين للاطراف الرئيسية في البلاد سواء تلك التي سمت الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة او عمدت الى تسمية السفير نواف سلام او الى عدم التسمية .

من خلال هذه الجولة فان الحديث في موضوع الحكومة لم يكن قاطعا بالنسبة لنجاح عملية تشكيل الحكومة وتناول عن الاحتمالات الممكنة ، مع التركيز على ان عدم تشكيل الحكومة يتحمل مسؤوليته كما يقول كل طرف” الطرف الاخر”، في تقاذف واضح للاتهامات وللمسؤولية عن التأخير او تعثر تشكيل الحكومة بسبب الشروط والشروط المضادة.

وكل ذلك يندرج بالطبع في اطار التجاذب لا بل الصراع بين القوى السياسية في لبنان وهو صراع بدأ يتخذ اشكالا جديدة ،في اخر ولاية رئيس للجمهورية لم يترك لنفسه صديق او حليف او خصم الا وقام بما يلزم لتخريب علاقته به. ولذلك فان ما يبدو واضحاً هو ان نقطة الاجماع الوحيدة التي تكاد تجمع معظم الاطراف لا بل الغالبية الساحقة منها هو بدء عد الايام التي سينتهي فيها عهد “الرئيس القوي “.

وهذه الصورة كفيلة بالاضاءة على موضوع تشكيل الحكومة التي يريدها عون ورئيس التيار الوطني الحر منصة يمكن ان تؤمن لهما الامساك بقرار مجلس الوزراء خلال ما تبقى من عمر العهد ، وفي الوقت نفسه ضمان الاستمرار في الحكم بعد انتهاء ولاية الرئيس من خلال الوزراء الذين يسمون فيها،فيما لا يريد خصومهما ذلك ، ويفضلون بقاء حكومة تصريف الاعمال على تشكيل حكومة جديدة لن يوقع عون على مراسيم ولادتها اذا لم تضمن له تحقيق ما يريده من شروط وابرزها الثلث المعطل وما يزيد عن ذلك، اضافة الى السير بلائحة التعيينات الادارية المقدمة من جبران باسيل فضلاً عن اجراءات اخرى على رأسها اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

ولايمكن في هذا السياق الا التوقف امام تمسك فريق عون وجبران بوزارة الطاقة ،حيث وصل الامر باشتراط الحصول على حقيبة الداخلية مقابل ما طرحه الرئيس ميقاتي في التعديلات التي اقترحها وشملت عدداً من وزراء الحكومة الحالية وفي مقدمتهم وزير الطاقة التابع لباسيل.

وصار واضحاً ان تمسك باسيل بحقيبة الطاقة مرده ليس فقط الى رفضه فتح ملفات الكهرباء والعتمة الشاملة التي تضرب لبنان رغم الكلفة العالية التي تسببت بها ميزانيات  خطط الكهرباء المعدة من قبله ومن قبل الوزراء الذين عينهم خلفاً له فيها، انما يعود ايضاً الى موضوع استخراج النفط والغاز الذي يتصل بعمل الوزارة في حال اتيح للبنان البدء بالتنقيب عن ثرواته في هذا المجال.

وما ينطبق على عون وباسيل ينطبق بدوره على باقي الاطراف وبنسب اقل بكثير طبعاً، كون رئيس الجمهورية الذي شهد عهده ما شهده من ازمات ونكسات ومحن سيحاول بشتى الوسائل البحث عن شكل من اشكال الانجاز لحفظ ماء وجهه على الاقل ، بعد ان اشبع الخصوم عهده بالتوصيفات السلبية وأقلها من نوع “عهد جهنم وعهد الافلاس وعهد تحلل المؤسسات وانهيارها” الخ.

وبالطبع فان المسألة لا تقتصر فقط على صورة العهد الآفل قريباً، بل تتصل بزعامة “كاسحة” اطلقها ميشال عون قبل الرئاسة ، وانحدرت الى مستويات متدنية جداً بعد الرئاسة لا سيما في ظل خياراته بتعيين صهره جبران باسيل رئيساً لتياره السياسي.

وبالطبع فان المسألة لا تقتصر فقط على صورة العهد الآفل قريباً، بل تتصل بزعامة “كاسحة” اطلقها ميشال عون قبل الرئاسة ، وانحدرت الى مستويات متدنية جداً بعد الرئاسة لا سيما في ظل خياراته بتعيين صهره جبران باسيل رئيساً لتياره السياسي.

ولهذا السبب ،فان ما يصح قوله في هذا الصدد هو ان فريق عون وجبران يخوض حالياً- او هكذا يعتقد- حرب بقاء ، من اجل تأمين ديمومة استمراره كواحد من الافرقاء البارزين ، وإن كان بعض المراقبين يعتقد انه فات الآوان على ذلك، لان ما لم يستطع هذا الفريق الحفاظ عليه خلال ولاية عون على مدى خمس سنوات وتسعة اشهر لن يكون بامكانه القيام به خلال ثلاثة اشهر، خصوصاً وانه بات اليوم “في ارذل العمر ” كما يرى مراقب بارز،على مستوى السلطة والحكم وادارة البلاد وكذلك في السياسة من جراء كثرة خصومه الذين تشمل دائرتهم ليس فقط اولئك الذين عقدوا معه تفاهمات مثل الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات سمير جعجع وانما ايضا من هم في الشكل في صفوف الحلفاء .

ومن خلال كل ذلك دخلت البلاد في مرحلة يمكن توصيفها بانها معركة أحجام ، لا حساب فيها لعون الرئيس بل لعون او جبران الحزبي ، مع اقتراب موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية . والفارق كبير للغاية بين الامرين وهو ما ستشهد عليه وقائع الايام والاسابيع والاشهر المقبلة.

واذا كان عون يملك حتى اخر يوم من اعتذاره ورقة التوقيع على مرسوم تعيين حكومة جديدة ، ويستطيع بالتالي عدم السير باي تشكيلة لا تراعي معاييره ومصالحه، فان الامر نفسه ينطبق على الرئيس المكلف المعني الاول بتشكيل الحكومة الذي يمكنه رفض كل ما يمكن ان يوضع في وجهه من عقبات وعراقيل . وهو مثل عون في هذا الصدد مع فارق واحد وهو ان نجيب ميقاتي سيستمر رئيساً مكلفاً وفي الوقت نفسه رئيس حكومة تصريف الاعمال حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بينما لن يستمر رئيس الجمهورية في هذا الوضع بعد 31 تشرين الاول – اكتوبر المقبل.

ويمكن القول ان كل ما يجري حالياً ، يحصل وبصرف النظر عن تفاصيله تحت عنوان واحد وهو التوكيد بان الرئيس الحالي هو “الرئيس الضعيف” رداً على مقولة او توصيف “الرئيس القوي” الذي طالما أصر فريقه على وصفه به.

ولذلك فان من الواضح تماماً ان البلاد التي خرجت من مرحلة ما سمي “الرئيس القوي” بكل ما شهدته من تداعيات ، دخلت عملياًمرحلة “الرئيس الضعيف” بكل ما ستشهده ايضاً من تداعيات لن تكون كسابقاتها الا على حساب لبنان الدولة والشعب والمؤسسات.

واللبيب من الاشارة يفهم.

نقلاً عن : الشراع 

Exit mobile version