في أعماق المشهد الحكومي، الجميع يجزم خلف الكواليس بأنّ عملية التأليف ستبقى مستعصية حتى نهاية العهد، فلا رئيس حكومة تصريف الأعمال مستعد للتنازل عن شروطه ولا رئيس الجمهورية سيقبل الانكسار والتسليم بهذه الشروط… وعلى ذلك بدأ الاستحقاق الرئاسي يتقدّم عملياً على سلّم الأولويات في حسابات “الربح والخسارة” بين مختلف الأفرقاء، وبدأت الاتصالات والمشاورات واللقاءات تتمحور في جوهرها حول حظوظ المرشحين المحتملين للرئاسة الأولى، وسط تصاعد وتيرة الاجتماعات التنسيقية على ضفة قوى 8 آذار لتوحيد الموقف الرئاسي بين مكوناتها قبل انطلاق جلسات الانتخاب في أيلول، بينما على الضفة المعارضة لا تزال الأجواء الضبابية طاغية على التوجهات بانتظار تبلور صورة المرشح الرئاسي الذي يمكن أن يؤمن تقاطعات بين الأحزاب والكتل والقوى السيادية والتغييرية، ويستطيع بمواصفاته أن يلاقي المواصفات التي وضعها البطريرك الماروني بشارة الراعي في الرسم التشبيهي لرئيس الجمهورية الجديد، بحيث يكون “رئيساً متمرّساً سياسياً وصاحب خبرة ومحترماً وشجاعاً ومتجرّداً ورجل دولة حيادياً في نزاهته، ملتزماً في وطنيته، وفوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب”.
وبالانتظار، تتواصل عملية شد الحبال الحكومية في الوقت الرئاسي الضائع، وقد بلغت المناورات الإعلامية أشدها بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي خلال عطلة العيد لا سيما على خلفية تسريب مصادر الثاني معلومات عن أنه كان قد طلب موعداً لزيارة الأول قبل الأضحى، فكان الجواب “دقيقتين ومنرد خبر” لكنّه منذ ذلك الحين لم يتلقّ أيّ ردّ من قصر بعبدا. الأمر الذي نفته دوائر الرئاسة الأولى أمس، مؤكدةً لـ”نداء الوطن” أنّ “خبرية الدقيقتين” غير دقيقة، وأبواب بعبدا مفتوحة لزيارة الرئيس المكلف “ساعة يريد”.
وأوضحت أنّ ما حصل فعلياً حين اتصل ميقاتي طلباً لزيارة بعبدا لا يتجاوز “الاستفسار منه عما إذا كان يحمل جديداً” في ما خصّ التشكيلة الوزارية بموجب الملاحظات التي كان قد أبداها عون أمامه، ولم يكن هناك أي رفض للزيارة كما سرت الإشاعة إعلامياً، كاشفة في المقابل أنّ الرئيس المكلف تواصل هاتفياً مع رئيس الجمهورية عشية سفره وأبلغه أنه بصدد المغادرة إلى الخارج في عطلة العيد و”كان الاتصال ودياً بادر خلاله عون إلى معايدة ميقاتي، ما يؤكد عدم وجود توتر في العلاقة بينهما ويدحض كل ما تردد عن رفض تحديد موعد للرئيس المكلف في بعبدا، خصوصاً وأنه درجت العادة عند زيارة كل من رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة القصر الجمهوري أن يتلقى القصر اتصالاً قبل ساعة أو حتى نصف ساعة للإعراب عن النية بالزيارة، فتُتخذ الترتيبات سريعاً من دون أي تأخير، والرئيس ميقاتي يعلم هذا الأمر كما غيره من رؤساء الحكومات”.
وبناءً عليه، شددت دوائر الرئاسة الأولى على أنّ اللقاء بين عون وميقاتي “وارد في أي لحظة لاستكمال النقاش من النقطة التي انتهى إليها اللقاء الثاني بينهما بعد التكليف، حين تم تبادل الآراء والأفكار حول التشكيلة الحكومية وإمكانية تطعيمها بسياسيين أو زيادة عددها إلى ثلاثين وزيراً بعد ضمّ ستة وزراء دولة من السياسيين إلى تشكيلتها، مع الإبقاء على الحقائب الوزارية مع وزراء تكنوقراط، على أن يصار في حال رفض فكرة الحكومة الثلاثينية إلى إدخال تعديلات على التشكيلة من ضمن صيغة الأربع والعشرين المقترحة”.
المصدر:نداء الوطن