-خاص الهديل –
الجميع في لبنان يبحث عن “معادلة سياسية ما ” حتى تستقيم حساباته للمرحلة المقبلة. المشكلة ان الوضع الداخلي الراهن متفلت من التوازنات التي يمكن البناء عليها ؛ فلا حزب الله يستطيع تسييل فائض القوة لديه على نحو يمكنه من ان ينتج تسوية حكم داخلية تناسبه؛ ولا معراب تستطيع تسييل كتلتها النيابية على نحو يمكنها من بناء مشروع قيادة المعارضة؛ ولا جبران باسيل او غيره من أقطاب الطبقة السياسية الذين نجحوا في الانتخابات، لديهم قدرة على تخطي ازمة تواجههم ، ومفادها ان البلد يريد محاسبتهم ويعتبرهم مسؤولين عن الانهيار بنسبة عالية.
.. بهذا المعنى يبدو أن كل القوى السياسية تعيش مأزق انها لا تملك وصفة لإعادة احياء دورها داخل نظام حكم البلد، والسبب ان هذه القوى لم تعد قادرة مجتمعة او فرادى على انتاج تسوية داخلية لادارة البلد .
” التسوية الرئاسية ” التي جمعت أحزاب طوائف لبنان الستة ، كانت آخر تسوية يمكن لأحزاب الطوائف المسؤولة عن انهيار البلد، إنشائها. وراهنا ومسقبلا فإن هذه الأحزاب تحولت إلى حزب داخل أحيائها ومناطقها، اما على المستوى الوطني؛ فهي أصبحت أحزاب الازمة واستمرارها، وليس أحزاب التسوية وإدارة البلد.
ومن هنا يمكن بسهولة توقع أن المرحلة المقبلة، ستشهد فراغ حكومي وفراغ رئاسي وفراغ على مستوى إدارة الدولة للبلد ( إضرابات في إدارات ومؤسسات الدولة ).
ومن خلال طريقة تعاطي أحزاب الطوائف مع ازمة تشكيل الحكومة ، يلاحظ أن هذه الأحزاب تبدي لا مسؤولية وطنية صادمة؛ فهي تتعايش مع ان البلد من دون حكومة؛ ومع ان الخبز يشرف على الانقطاع، وكذلك الكهرباء والاتصالات، الخ.. الاحزاب التي انتخبت بأصوات قانون الإنتخاب المهزلة، لا تحّمل نفسها صدمة ضمير كونها لا تفعل شيئا من أجل تشكيل الحكومة!!.
لماذا ؟؟
ببساطة لأن هذه الأحزاب استسلمت لعجزها الوطني ، وتيقنت أنها تحولت إلى أحزاب تستطيع أن تمنع الإصلاح حتى تبقى موجودة، ولكنها لا تستطيع أن تقوم هي بالإصلاح لأن هذا السبيل سيؤدي إلى فتح ملف محاسبة من سرق خزينة الدولة ومن تسبب بانهيار البلد .
ليس صحيحا أن أزمة لبنان هي انعكاس لأزمة المنطقة؛ الصحيح ان أزمة لبنان هي أزمة احزابه التي انتهت صلاحيتها الوطنية، ولكنها لازالت قادرة على منع تشكل بديلها الوطني والإصلاحي، وذلك من خلال ثلاثة أسلحة لا تزال تملكها:
السلاح الأول هو قانون الانتخاب المهزلة الذي يسمح بتزوير الانتخابات من دون الحاجة ” للعب” بصناديق الاقتراع .
السلاح الثاني هو اطمئنان هذه الأحزاب إلى عدم وجود قرار خارجي بإنقاذ لبنان من طبقة الفساد التي تحتله وتهيمن عليه، والمسؤولة عن سرقته المستمرة.
السلاح الثالث هو تهديد هذه الأحزاب المجتمع المدني بأنها قادرة على اغراق البلد بحرب اهلية فيما لو شعرت بأن هناك تحركا ثوريا يريد انهاء هيمنتها على نظام الحكم في لبنان.
أن أزمة لبنان الراهنة هي أزمة لبنانية، تضاف إلى أزمات المنطقة، وليس صحيحا ان اساس ما يعانيه البلد ناتج عن انعكاس أزمات المنطقة وازمات العالم ، عليه.
.. واذا كانت حرب اوكرانيا أصابت مسارات الاستقرار في العديد من دول المنطقة بأضرار تتعاظم يوما بعد يوم مع استمرارها، فإن أسباب ازمة لبنان موجودة قبل حرب اوكرانيا، و أزمة الطاقة وأزمة استيراد المواد الاساسية موجودة في لبنان، قبل تعثر تصدير القمح من روسيا وأوكرانيا، وقبل مشاكل الطاقة الراهنة في العالم .
صار مطلوبا الاعتراف بأن أزمة لبنان لبنانية، ومن ثم – ثانيا – هي أزمة لبنان مع العرب، وليست أزمة عربية، ومن ثم- ثالثا – هي أزمة لبنان مع العالم، وليست أزمة عالمية .
خلال الحرب الاهلية( ١٩٧٠ – ١٩٩٠) كان يقال إنها “حروب الآخرين فوق الساحة اللبنانية”، ولكن اليوم، فإن الأزمة الراهنة لها عنوانان واضحان؛ الأول: حروب تنطلق من لبنان ضد العرب ؛ والثاني حروب فساد لبنانية داخلية افلست ميزانية الدولة وقوضت موقع الدولة ..
وعليه يمكن القول أن الحل في لبنان ، لبناني، وكون الحل لبناني، فهو مفقود وغير موجود؛ كون القوى السياسية اللبنانية ليست أحزاب بقدر ما هي ” رميم” بعضها بحالة تضخم، وبعضها بحالة ترهل، وبعضها بحالة هروب دائم إلى الأمام.
وما يحدث اليوم هو أن العالم يريد الإصلاح في لبنان ، بينما أحزاب لبنان الطوائفية تخشى من تبعات الإصلاح على مواردها التي تجنيها بالاعتماد على الدولة – البقرة الحلوب.
.. باختصار: “دولة البقرة الحلوب ” المنقادة من أحزاب الطوائف لم تعد قادرة على إحياء نفسها، ولذلك فإن احزاب دولة البقرة الحلوب لن تستطيع تشكيل حكومة ولا انتخاب رئيس الجمهورية ، وكل ما بقي عندها حتى تقدمه للبلد هو الفراغ وبقائها كأحزاب تتربع فوق بيئات الفقر والعازة وفوضى مجتمعات دولة البقرة الحلوب.