-خاص الهديل –
كلما تناقش اثنان في لبنان حول أوضاع البلد الإقليمية، اتفقا على أمرين اثنين، لا ثالث لهما : الأول ان لبنان ليس أولوية على طاولة الدوليين و الاقليميين. والثاني أن الوضع في لبنان يشبه الوضع في العراق لحد بعيد ، ولكن مشكلة لبنان انه لا يوجد فيه شخصية مرشحة لان تلعب دور مصطفى الكاظمي الذي نجح بتدوير زوايا الوضع الإقليمي العراقي، فاستفاد من السعودية ولم يخسر ايران ، ونجح في التفاعل لمصلحة العراق مع أميركا، ولم يغضب أعداء العم السام الكثر داخل العراق وخارجه .
واليوم يقف الكاظمي في صف مستقبلي بايدن ، كواحد من زعماء الدول العربية في جدة، علما ان العراق هو بلد يعاني اقتصاديا مثل لبنان ، وعلما ان العراق هو اليوم دولة من دون حكومة كحال لبنان ، ومن دون رئيس جمهورية ، كما سيكون بعد شهرين حال لبنان .. وكل ذلك يحدث في العراق لنفس السبب الموجود في لبنان ، وهو خلاف المحاور الخارجية فوق أرضه، وايضا بسبب الخلافات الحزبية الداخلية التي يزكيها فساد المحاصصة التي تتم تحت شعار الحكومة التوافقية التي عطلها اليوم في العراق مقتدى الصدر رغم إصرار جهات داخلية عراقية عليها ..
.. أضف لذلك ان الدولة في العراق اليوم، إلى حد بعيد، متهالكة كحال الدولة في لبنان ، ومع كل ذلك؛ ورغم كل أوجه الشبه بين ازمة بلد الأرز وأزمة بلاد الرافدين ، فإن الكاظمي موجود اليوم دوليا وإقليميا، حيث لبنان اليوم غائب.
ان أهمية الكاظمي في العراق- وهو أمر يحتاج لمثله لبنان- هو أنه ليس ضد إيران ولكنه ليس تابعا لطهران .. و هو أنه ليس ضد السعودية ولكنه ليس تابعا للرياض . ان ” المزيج الكاظمي الإقليمي” جعل الاقليميين والدوليين يتوافقون على ان يكون لهم أسهم فيه، بدل ان يكون للكاظمي اسهم ( تبعية) في سياساتهم.
ولا يجب أن يستنتج مما تقدم ان تجربة الكاظمي في العراق، مثالية ووطنية خالصة ، ولكنها في ظروف العراق الداخلية، وفي ظروف بلاد الرافدين الإقليمية والدولية، تعتبر ” افضل الممكن” .
الكاظمي اليوم في جدة يتفاوض مع واشنطن حول بقاء الشق الإنمائي الاميركي في العراق ؛ ويقوم بالتخلي عن الارتباط بالشق العسكري الذي يطال أيضا إنشاء قوة ناتو عربي وشرق أوسطي في المنطقة. يفعل الكاظمي ذلك ، لأنه يعرف ان قوة العراق هو في حياده الايجابي ، وهذه بالذات هي قوة الكاظمي الحالية داخل العراق وخارجه، حتى إشعار آخر. ولذلك يقدم المالكي العراق كخلية تفاوض محلية واقليمية لا تهدأ ، وذلك بين بغداد والآخرين؛ وايضا بين الإقليميين المختلفين بسبب العراق وغير العراق، الذين يدعوهم ليلتقوا حول طاولة التفاوض العراقية في بغداد .
والواقع أن ثمة إبداع لا يمكن إنكاره ، حينما تدعو الدولة التي يدور حولها النزاع الإقليمي، الدول المتنازعة عليها للجلوس في عاصمتها حتى تتفق وترتب اولوياتها وتحاول حل مشاكلها.
طبعا الكاظمي هو حالة عراقية لا تكفي وحدها لحل كل مشاكل العراق، ولكنها تكفي لوقف سرعة تدهور الوضع العراقي، وذلك بانتظار حل أكبر للعراق سيكون بلا شك اكبر من دور الكاظمي، وبمستوى موقع العراق الجيوسياسي الهام.
.. اما في لبنان ، فإن المشكلة فيه هي أنه يشبه قطار من دون كوابح، ويسير كالقطار العراقي، بسرعة صاروخ فوق طريق انحداري، فيما آخر خبر سيئ يقول ان سائق القطار لفظ أنفاسه الأخيرة.
وفي مثل هذا الحال ، لم يعد هناك احتمال يمكن توقعه سوى ارتطام القطار اللبناني وتدهوره وتحطمه. وبكلام آخر ، فان كل المطلوب اليوم هو سائق في لبنان يخفف سرعة القطار الذاهب للارتطام كما يفعل الكاظمي في العراق .. مطلوب كاظمي لبناني عسكري او سياسي أو ديني .. كاظمي لبناني يعلن حدثا وموقفا فعليا لبنانيا صادما، يخفف من سرعة توجه القطار الذاهب نحو الارتطام المأساوي. جة
هناك نظرية بات يتوجب على اللبنانيين ان يؤمنوا بها ، ومضمونها يقول أن قيامة لبنان مما هو عليه اليوم من حالة احتضار ، لن تتحقق، إلا إذا خرج من بين صفوف الشعب اللبناني قائد يؤمن بأنه يستطيع أن يفعل وان يغير ، ويؤمن بأن الشعب اللبناني قوة فعل تاريخية وقادرة وتستطيع قلب الصفحة مهما كانت الظروف قاسية وصعبة ومحاصرة باعتبارات قاهرة .
قائد يؤمن بان الحل من الداخل .. بكلام ادق قائد يؤمن بأنه لم يبق إلا الحل الداخلي ..