-خاص الهديل –
يستطيع حزب الله أن يقول لإسرائيل انه سيمنعها من التنقيب والاستخراج في كاريش الا اذا اعترفت بحق لبنان في غازه، علما ان المعنى السياسي والعملي لقول نصر الله هذا، هو أنه يقول لأميركا انه سيمنعها من تصدير غاز المتوسط إلى اوروبا ضمن خطة بايدن تعويضها عن الغاز الروسي.. وليس معروفا لغاية الآن كيف سترد واشنطن على قرار من هذا القبيل يتخذه حزب الله هذا..
كان حزب الله، خلال الفترة الماضية، تلطى وراء استراتيجية انه يلتزم بقرار الدولة اللبنانية بخصوص ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي ؛ وكان هذا الموقف مريح للبنان ، كونه يظهر أن الدولة اللبنانية هي من تفاوض على ملف سيادي ، ومفيد لحزب الله كون الحزب اصلا موجودا في قرار الدولة، ويستطيع أن يؤثر من داخلها بدل ان يضع نفسه في الواجهة نيابة عنها. لكن اليوم يغير حزب الله موقفه، ويعلن انه يقف أمام الدولة وأنه يلتزم المقاومة حزب الله حول ما يجب فعله لحماية ثروة لبنان البحرية .
واللافت هنا أن إسرائيل حاليا، تستخدم استراتيجية حزب الله الاولى حينما كان يتلطى بموقف الدولة اللبنانية، حيث أن تل أبيب اليوم ، وبعد حرب الغاز الأميركية ضد روسيا ، باتت تتلطى وراء الموقف الاميركي بخصوص كل موضوع غازها، سواء الذي تم اكتشافه، او الذي ما يزال تحت الارض والبحر، وبضمنه غاز كاريش.. فواشنطن ، من وجهة نظر صانع القرار الاسراىيلي ، هي صاحبة الحاجة الاستراتيجية كي تصدر الغاز الإسرائيلي الى اوروبا، وذلك بأعلى نسبة استخراج ممكنة ومتوفرة ؛ وبالتالي فإن الجهة التي تعترض طريق استخراج الغاز الاسرائيلي لتصديره إلى اوروبا ، فإنما هي بعملها هذا تعترض مصالح الولايات المتحدة الاميركية اولا ، وثانياً مصالح إسرائيل .
وبعد ” وثيقة القدس” المبرمة بين تل أبيب وواشنطن، و التي جعلت امن إسرائيل وامن واشنطن ضد ايران وحلفائها ( وكلائها حسب تسمية الوثيقة)، بمثابة أمن عضوي مشترك ، فإنه بات من المهم جدا اخذ الحذر بخصوص إعطاء إسرائيل ذريعة تمكنها من جعل خلافها مع لبنان حول حقول الغاز البحرية، هو أمر تنطبق عليه بنود ” وثيقة القدس” الخاصة بالتزام واشنطن بالقتال مع تل أبيب ضد التمدد الايراني .
وهذا الامر يظهر انه ليس من مصلحة لبنان، ان يكون صوت حزب الله أعلى من صوت الدولة اللبنانية في التعبير عن الخلاف البحري حول الغاز مع إسرائيل.. والموضوع هنا لا يجب النظر إليه على أنه سجال بين ٨ و ١٤ آذار، بل يجب النظر إليه من زاوية ان إسرائيل لديها ورقة أميركية رابحة ضد لبنان، فيما لو انها نجحت في تسويق فكرة ان خلافها مع بيروت حول الغاز، ليس خلافا بينها وبين الدولة اللبنانية او الحكومة اللبنانية ، ولا خلافا مع الشعب اللبناني ، بل هو خلاف مع حزب الله ، ومع حليف ايران في لبنان ؛ ومن هنا فإن مواجهة هذا الخلاف يحتم على واشنطن بموجب ” وثيقة القدس” ان تشارك عسكريا مع إسرائيل فيما لو حصل اي تطور عسكري مع ” حزب الله الايراني” في لبنان على خلفية رغبة الاخير في فرض قواعد اشتباك إيرانية على غاز المتوسط (!!).
..و بكل حال فإن بيروت تنتظر عودة أموس هوكشتاين لترى ما هو جديده . وتجدر الإشارة هنا إلى أن أجواء هوكشتاين كانت سربت انه لن يعود إلى بيروت الا بعد انتهاء جولة الرئيس الأميركي بايدن للمنطقة .
.. والآن انتهت زيارة بايدن للمنطقة، وصار لدى البيت الابيض صورة واضحة عن موقع ودور غاز المنطقة في معركة بايدن ضد روسيا في اوكرانيا وفي أوروبا.
وعليه يمكن القول أن ما سيطرحه هوكشتاين في لبنان ، سيكون انعكاسا لما حصل مع بايدن خلال لقائه مع دول المنطقة ونقاشه مع زعمائها بخصوص تصدير غاز العرب والمتوسط إلى اوروبا.
.. وهنا يجب ملاحظة ان السعودية قررت زيادة انتاجها، وهذا ما طلبه بايدن ، ولكنها اصرت حسبما يريد ولي العهد السعودي، على ان نقاش استراتجيتها للغاز ستحصل ضمن “الاوبك + ” حيث روسيا عضوا أصيلا.
وبهذا المعنى لا تريد الرياض كسر الجرة مع بايدن، ولكنها أيضا لا تريد معاداة روسيا، ولا الصين ولا حتى ايران ” الدولة الجارة في الجغرافيا والدين” كما قال بن سلمان .. وكل هذا يعني أن السعودية قررت انها لن تكون طرفا في حرب حصار روسيا ولا الصين ولا حتى في مشروع حصار ايران، شرط أن تصحح طهران كما تكرر الرياض، اخطائها مع دول جوارها العربي.
وعشية عودة هوكشتاين الى بيروت ، فان السؤال هو كيف يجب على لبنان ان يقرأ ، وهو يصوغ موقفه، كل هذه التطورات من زيارة بايدن إلى الموقف السعودي والعربي، مرورا بإعلان “وثيقة القدس”؟؟.
اولا- يجب الإقرار بأنه لا مصلحة لا حزب الله ولا للبنان في ان يتم إعطاء إسرائيل ورقة مجانية تقول ان خلافها بموضوع غاز لبنان، هو مع حزب الله ومع حليف ايران في لبنان وليس مع لبنان ومع الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية.
.. وعليه يجب استدراك الوضع من خلال عودة حزب الله إلى استراتيجية الوقوف وراء الدولة اللبنانية.
ثانيا – اغلب الظن ان هوكشتاين سيطلب من لبنان الموافقة على حل سريع موجود وجاهز ، وهو الاحتفاظ بالمنطقة المختلف عليها بين لبنان واسرائيل بعهدة شركة أجنبية تقوم بالاستخراج فيها، ويتم وضع المال المستوفى من بيع غاز هذه المنطقة في حساب دولي، يتم تقاسمه بين لبنان واسراىيل عندما يتوصلا لاتفاق حولها بعد سنة او بعد عشرين سنة.
.. في حال وافق لبنان على هذا الحل ، ستكون أميركا حققت ما تريده، وهو بدء الاستخراج ، و إيصال كل كمية الغاز الاسرائيلي الممكن استخراجها إلى اوروبا قبل الشتاء..
.. وإذا رفض لبنان هذا الحل، فان واشنطن ستسير حتما بتصدير غاز إسرائيل من دون النظر لمصير غاز لبنان .. وفي هذه الحال نصل إلى السيناريو الذي أعلنه نصر الله المتمثل بتنفيذ تهديده وقيامه بقصف مواقع استخراج الغاز في كاريش، وبالتالي ايقاف عملية تصدير الغاز من المتوسط إلى اوروبا ، وحينها سيكون لبنان امام ثلاثة احتمالات أميركية :
– خضوع بايدن لضغط حزب الله ، والطلب من اسراىيل تقديم تنازلات للبنان ..
– تدخل اميركي من خلال اعلان بايدن تصعيد اقتصادي ومالي عنيف ضد لبنان ( عقوبات ) ..
– رد بايدن على صواريخ حزب الله بتنفيذ ضربات استراتيجية ضد حزب الله في لبنان وسورية، بهدف ارغامه على وقف قصف منصات الغاز الاسراىيلية ، وعدم تشويش عملية تصدير غاز المتوسط واسراىيل الى اوروبا .